اجتاحت الثورة التكنولوجية كافة المجالات في عالمنا اليوم وطالت المجال التربوي ضمنًا. فباتت الرقمنة في التعليم أمرًا واقعًا لا مفرّ منه، بحيث تقوم المؤسسات التعليمية برقمنة مناهجها التربوية لتلائم صيرورة التعلم في أدمغة التلامذة. من هنا، بدأت المنظومة التعليمية تشهد بشكل واضح تحولات في دور المعلم والمتعلم على حدٍّ سواء.
وتبرز الرقمنة التربوية من خلال معايير عدّة، أولها تأهيل المعلمين وإكسابهم مهارات تسمح لهم باستخدام وسائل التعلم السمعية، البصرية والحسية بهدف إنتاج عملية تعليمية تفاعلية رقمية. وكل ذلك يسمح للتلامذة بالتعلم النشط واكتساب المهارات الرقمية لمواكبة المناهج الجامعية التي تحتوي على برمجيات متنوعة. كما أصبح الطالب يشارك في البحث عن المعلومة والوصول إليها من خلال استخدام شبكة الإنترنت المتاحة للجميع وهذا ما من شأنه تعزيز التعلم الرقمي.
وبعد زيارة ميدانية إلى ثانوية الإمام الجواد(ع) في البقاع والتي تضم حوالي 4000 تلميذ وثانوية البشائر في بعلبك والتي تضم 2400 تلميذ، وهما تابعتان لجمعية المبرات الخيرية تبيّن لنا أن خططهما التعليمية لهذا العام أتت تحت عنوان”التكنولوجيا الرقمية ودورها في التربية والتعليم” ولهذا سُجلت في هاتين المؤسستين أنشطة متنوعة كلها تندرج في إطار الرقمنة التربوية.
تطبيقات رقمية للتواصل مع التلامذة والأهل
من المعروف أن العملية التعليمية تعتمد على التواصل بين المدرسة والتلامذة من جهة وبين الأهل والمدرسة من جهة أخرى، إلا أن عملية التواصل هذه تحولت من ورقية إلى رقمية، فسابقًا كانت تتم من خلال إرسال بيان مع التلميذ للإبلاغ عن موعد تسديد الأقساط أو العلامات أو غيرها لتصل لذويه، أما اليوم فنشهد رقمنة لهذه العملية، حيث بات البيان الرقمي يصل الى الاهل قبل عودة ابنهم الى المنزل. ففي هذه المدارس أصبح التواصل يتم من خلال عدة تطبيقات الكترونية أبرزها المنصة الإلكترونية أو مجموعات تم استحداثها لكافة الصفوف على تطبيق الواتس أب. كما ويتم اللقاء مع الأهل في الفضاء الرقمي من خلال استخدام عدة تطبيقات مثل zoom أو google meet ويسجل تفاعل من قبل الأهالي كما تتحقّق الأهداف المرجوّة من هذه اللقاءات.
هذا وتعتمد المدرسة على دعم الطلاب تعليميًّا من خلال برامج دعم تنفذ عبر التطبيقات المذكورة آنفًا. ولم تكتفِ هذه المؤسسات بذلك بل دخلت العالم الرقمي أكثر من خلال تنفيذ لقاءات متنوعة، فعلى سبيل المثال، عقدت لقاءً توجيهيًا مهنيًا جمعت فيه مختلف الجامعات في لبنان مع طلاب القسم الثانوي من خلال لقاء الكتروني عبر تطبيق zoom بالإضافة إلى إقامة العديد من الندوات الكترونيًّا أيضًا. كما تم إجراء اختبار Holand للميول المهنية لدى الطلاب الكترونيًّا في مختبرات المعلوماتية المتوفّرة في المدرسة.
الرقمنة تطال كل الأقسام
وتتجسد الرقمنة أيضًا من خلال إجراء كل استبيانات الرأي للطلاب عبر التطبيقات الرقمية. وقد تمت المشاركة في عدة مباريات مع مؤسسات أخرى وعرض التلاميذ مشاريعهم وجرت المباريات الكترونيًّا، كما يقوم التلاميذ في بعض المواد بإجراء امتحانات على الحواسيب في المؤسسة. وفي ما يخص المعاملات الإدارية في المدرسة فقد جرى تدريب فريق على اعداد ملفات رقمية للتلاميذ تضم معلومات شخصية وصحية وتربوية وتم حفظ هذه ال Data في المؤسسة بشكل ممكنن. وأصبح النظام المالي أيضًا رقميًّا وكل ما يخص الأقساط والرواتب. وفي هذا الإطار تقول السيدة مهى الزين مسؤولة قسم المعلوماتية في ثانوية الإمام الجواد :”مدارسنا بدأت تتخلى تدريجيًّا عن الأعمال الورقية ، وكل شيء بات ممكنًا ورقميًّا”.
تدريبات رقمية للمعلم قبل التلميذ ومن ثم الأهالي
في العام الحالي اعتمدت مدارس المبرات عنوان أساسي لخطط عملها وهو “التكنولوجيا الرقمية ودورها في التعليم والتربية” بهدف مواكبة التكنولوجيا الرقمية التي تدخل في كل المجالات واعداد طالب منتج في العالم الرقمي وليس مستهلك فقط. وتقوم التدريبات للموظفين على توظيف التكنولوجيا الرقمية في أعمالهم الأساسية لتعزيز القدرات والكفاءات التعليمية وإكسابها للتلاميذ. وخلال مقابلتنا مسؤولة الموارد البشرية في ثانوية البشائر بهيجة كموني صرحت في هذا الإطار:”أقامت مؤسسات المبرات في بداية العام تدريبات وورش عمل مكثفة للمعلمين حول ماهية التكنولوجية الرقمية، وتناولت استراتيجيات تعليمية مدعومة بالحاسوب والتكنولوجيا من خلال استخدام اللوحات الذكية ومنصات التعلم، عِلمًا أنّ التعليم الرقمي هو نوع من أنواع التعليم المدعومة بالتكنولوجيا بشكل أساسي وفعّال”. وتابعت كموني:”تم تدريب المعلمات على كيفية استخدام المنصة التعليمية وتقديم دروس رقمية والتدريب على برنامج STEAM ” (الذي سيتم التطرق اليه لاحقًا في معرض مقالنا). وعقب مسؤول المعلوماتية في البشائر محمد عساف أنه :”بالإضافة الى إصدار العلامات بشكل رقمي، تم تدريب كادر مادة الكمبيوتر على برامج خاصة تختص بالروبوتكس والبرمجيات لنقلها للتلاميذ في كافة المراحل. وتابع عساف: “تسعى المدرسة الى إطلاع الأهالي بنظام التعلم الرقمي المعتمد وتدريبهم على استخدام هذه المنصات الالكترونية خلال تدريس أولادهم أو الاطلاع على آخر المستجدات في المدرسة”.
دخول الطلاب عالم الرقمنة
في ظل مواكبة التطور الرقمي الحاصل فقد تم اعتماد مادة الكمبيوتر كمادة اساسية لكل الصفوف تبدأ من صفوف الروضات بحيث يتم تعريف التلامذة على جهاز الكمبيوتر ومن ثم استخدام الألعاب الالكترونية السهلة التي تتماشى مع الأهداف التعليمية كالأحرف والأرقام والألوان. ومن ثم في الحلقة الأولى اي لصفوف الثالث الأساسي فيتم تعريف التلامذة على أجزاء الكمبيوتر بالتفصيل input and output devices بالإضافة إلى التدريب على برامج paint و word لتعلم الكتابة الالكترونية والتمكن من دخول عالم الرقمنة بسهولة. ويليها في الحلقة الثانية (من الصف الرابع وحتى السادس) يبدأ تعريف التلاميذ على الشبكات الالكترونية وتدريبهم على برنامج scratsh وهو برنامج لغة برمجية مخصصة للأطفال تهتم ببرمجة الكائنات وتسمح للطلاب ببدء تعلم لغة البرمجة وتكون النتيجة تمكن التلميذ من إعداد لعبة الكترونية بسيطة Smart game design .
وفي المرحلة المتوسطة يتم العمل مع التلاميذ لتطوير قدراتهم في برامج Ecxel و Power point والدخول أكثر في عالم برمجة الروبوت ومن أبرز الأهداف التي يتعلمها التلميذ هي App invertor و Data Analysis وcode App والتدريب على استخدام برامج emails و clouds .
أما في المرحلة الثانوية فيدخل التلاميذ بعمق في عالم الروبوتكس والبرمجة ويقومون بتصميم الروبوت بأنفسهم ويكتسبون أهداف تسمح لهم بخوض الاختصاصات الجامعية بسهولة فيتدربون على برامج HTML وData base Access بالإضافة الى أهداف حول الأمن السيبراني و binary system
كما أنّ المطالعة باتت رقمية وذلك من خلال إنشاء مجموعات وارسال القصص الرقمية للتلاميذ لمطالعتها وهذا ما رفع نسبة القراءة لديهم وتقول مديرة قسم رياض الأطفال والحلقة الأولى في ثانوية البشائر بشيرة يزبك بهذا الخصوص :” هذه الطريقة ساهمت في جذب نسبة تفوق 70% من التلامذة في مرحلة رياض الأطفال خلال العام الماضي لمطالعة القصص التي يرغبون بها إلكترونيّاً”.
أنشطة في الفضاء الرقمي
أما على صعيد الأنشطة، فيتم احياء اليوم العالمي للانترنت في كلا المدرستين من خلال سلسلة أنشطة توعوية رقمية، يتعرّف التلاميذ خلالها على مفهوم التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الإجتماعي وكيفية الإستخدام السليم لها مع التوعية حول مخاطر الإستخدام المفرط للإنترنت ، والتنمّر الإلكتروني وغيرها. بالإضافة الى المشاركة في المباريات الوطنية التي تعنى بالبرمجيات والروبوتكس بالتنسيق مع عدد من الجامعات والمؤسسات الخاصة. وفي هذا الإطار، أعلنت ثانوية الإمام الجواد(ع) عبر صفحتها على الفيس بوك عن إطلاق تجربة غنية بدأتها مع فريق منصة “تَحقَّق” من خلال تدريب مكثّف (عن بُعد) لمجموعة من الطلاب الموهوبين والمتفوقين من صفي السابع والثامن الأساسيين في ثانويتي الإمامين الجواد والكاظم(ع) حول تدقيق المعلومات والتحقق من صحتها. وعرضت فيديو حول أبرز ما تم التطرق إليه خلال اللقاء الأوّل . https://fb.watch/jIhNJ_dAwc/
دخول تطبيقات الذكاء الإصطناعي الى البرنامج التعليمي
وحول برنامج STEAM أكدت مديرة الحلقة الثانية في ثانوية الإمام الجواد زينب حمادة أنه :” يتم اعتماد هذا البرنامج في تدريس الطلاب بحيث يتم تطبيق القواعد النظرية بشكل ملموس من خلال برمجيات معينة فهي اختصار ل SCIENCE / TECHNOLOGIE/ENGINEERING/MATH وفي هذا العام تم تطويرها لتصبح STEAM أي أضيف اليها ART . وبدأ العمل مع التلاميذ المتفوقين على الكثير من التطبيقات العلمية لتطوير قدراتهم كأن يصححوا نص تعبير بأنفسهم بإستخدام تطبيقCHATGBT و NEW SCIENTIST و AL LEARNING و NEURONATION وهناك متابعة من قِبل فريق عمل من المدرسة قد تدرب على استخدام هذه التطبيقات والإستفادة منها في رفع المستوى العلمي لدى التلاميذ ودخولهم الى العالم الرقمي بشكل أفضل في المستقبل” .
المؤتمر التربوي 31 في المبرات : التكنولوجيا الرقمية ودورها في التربية والتعليم
وكان مدير عام المبرات د. محمد باقر فضل الله قد أكّد في كلمته التي ألقاها خلال فعاليات المؤتمر التربوي 31 للمبرات “أننا في جمعية المبرات الخيرية أخذنا على عاتقنا أن نكون السبّاقين في مضمار العلم والتكنولوجيا الرقمية. وقد أوردنا توصية في هذا المجال منذ عام 1999 يوم أطلقناها دعوة إلى الإهتمام الجدّي بمحو الأميّة التكنولوجية والإهتمام بتعلّم وتعليم قيادة الكمبيوتر للإدارات وجميع العاملين في المؤسسات”.
وأضاف:” تشير الدراسات إلى أن صيرورة التعلم داخل أدمغة تلامذة اليوم تختلف، بسبب الرقمنة، عن مثيلاتها لدى الأجيال السابقة، وعليه فإن مدخلات العملية التعليمية وأدواتها لا بد أن تتغير استجابة لذلك، لذا من الضروري الإطلاع على الدراسات بهذا الخصوص لتحديد احتياجات تلامذة اليوم والتغييرات الضرورية على مستوى المناهج وغيرها، وأن نلتفت إلى مهارات الخرّيج الرقمية المطلوبة، إذ من غير المقبول أن يتخرّج طلابنا إلى الجامعات من دون أن يكونوا متقنين لكل المهارات الرقمية التي تتطلبها البرمجيات التي سيستخدمونها في الجامعة” .
كُتِب من قِبل: هنادي ياسين – لولو سليمان