لارا بعقليني
شهدت المجتمعات في الآونة الأخيرة نهضة ملحوظة في عالم الإتصالات والتكنولوجيا. وراحت مواقع التواصل الإجتماعي تنمو معها، حتى أصبحت تعتبر جزءًا من الإعلام الجديد. وأحدث هذا الإعلام ثورة نوعية في أشكال المحتوى المقدم من صور إلى فيديو وملفات صوتية، التي يستطيع كل مستخدم من مشاركتها مع متابعيه. مما سمح بظهور ما يسمى بـ”صحافة المواطن” .
شاب هذا النوع من الصحافة الكثير من الشبوهات في بدايته حول مدى مصداقيته ودقته. ولكن بعدها أصبح يستعان بالمواطن الصحافي كمصدر للمعلومات بالنسبة للمجتمع، ومرجعًا للأفكار والمواضيع الجديدة بالنسبة للصحافيين.
ما هي صحافة المواطن؟
نشأ تعبير “صحافة المواطن” مع ظهور الإعلام الجديد. ويعني هذا المصطلح: شخص غير صحافي يجمع الأخبار والصور وينشرها على حساباته على مواقع التواصل. ويكون هذا الشخص غير محترف، فهو ينشر ما يسمعه، يشاهده ويتطلع عليه من مصادرٍ أخرى. وتكون هذه المنشورات غالبًا تعبيرًا عن الذات وعن آراء صاحبها.
ويعرّف دجاي روزن، ناقد صحافي وأستاذ في الصحافة والإعلام بجامعة نيويورك، صحافة المواطن كالتالي: “صحافة المواطن هي حينما يوظف عامة الناس المعروفون شكليًا بالجمهور، الأدوات الصحفية التي في حوزتهم لإخبار آخرين عن حدث مهم”.
مميّزات صحافة المواطن
تتميّز صحافة المواطن بالتفاعلية التي لا تنوجد إلاّ في الإعلام الجديد أو الحديث. ويسمح هذا التفاعل مع المعلومات على تبادل الآراء وفتح آفاق جديدة قد لا يكون البعض على دراية منها. كما سمحت هذه الصحافة على إبداء الرأي في الوقت والمكان الذي يريد المستخدم. وساهم المواطن الصحافي في تعزيز ثقة الفرد بنفسه، فعندما يزيد عدد المتابعين وتفاعلهم مع الأخبار يشعر المرء أنه بفيد مجتمعه. وهناك العديد من الأشخاص يحبون مهنة الصحافة ولم يستطيعوا الوصول إلى هدفهم لأسباب معينة، فيلجؤون إلى مواقع التواصل لممارسة شغفهم دون تكاليف مادية.
ومن أهم الأمور التي سمحت بها صحافة المواطن هي عدم إمكانية التعتيم الإعلامي. فيستطيع المواطن نقل جميع المعلومات كما هي دون أي توليف أو تفكير بالميول السياسية لمؤسسة إعلامية أو أجندات رجال السياسة. وأحيانًا ينقل المستخدم حدث مباشرةً على مواقع التواصل قبل أن تنقله الصحافة الإحترافية. فأصبح المواطن مصدرًا، وتعتبر الحرب في سوريا من أكثر الحروب التي غطاها الإعلام الإجتماعي.
صحافة المواطن والمسؤولية الإجتماعية
تحول المتلقي إلى مرسل، وهذا يعني أن هناك متابعين لمنشوراته وبالتالي تقع مسؤولية عليه. هذه المسؤولية تكمن في التدقيق من صحة الأخبار والتحقق منها قبل وضعها على الشبكة. والأهم عدم نشر الشائعات. فهناك العديد من الأشخاص الذين يتأثرون بالمحتوى ويسدقوه فورًا دون التأكد منه أو وضع إحتمال للخطأ. وبذلك يكون هذا النوع من الصحافة سبب لنشر الذعر والخوف في المجتمع وقد تصل الأمور إلى شن حروب إلكترونية.
ويمكن التطرق إلى موضوع “لقاح كورونا” كمثال. شكّل اللقاح في الآونة الأخيرة جدلية كبيرة حول مدى فعاليته وهل يجب الحصول عليه أم لا. وبدأت مواقع التواصل الإجتماعي تفعم بالشائعات وتلعب بمشاعر الأفراد. ومن بين المعلومات المغلوطة التي نشرت أن اللقاح: يسبب العقم لدى النساء، يحتوي على روبوتات صغيرة للتجسس على العالم، يتضمن مواد جينية تغير الحمض النووي للإنسان وأنه مستخلص من خلايا أجنة مجهضة. وبسبب كثرة اللغط حول هذا الموضوع والأثر السلبي على أنفس الناس، أخذت بعض من مواقع التواصل إجراءات للحد من تلك المعلومات مثل فيسبوك، إنستغرام، تويتر وتيك توك.
أخيرًا، سمحت مواقع التواصل الإجتماعي للمواطن بلعب دورًا أساسيًا في عملية النشر بعدما كان دوره يقتصر فقط على تلقي المعلومات. ومن الضروريّ أن يعي المواطن الصحافيّ المسؤولية التي يحملها تجاه الرأي العام. لكن تبقى هذه العلمية ليست مهنة الصحافة ويظل الصحافيون هم المصدر الأسدق والأدق، إضافة إلى التحليل المقدم والذي يتطلب متابعة معمقة. ويقول الروائي البريطاني جوروج أورويل: “الصحافة هي طباعة ما لا يريد أحدهم له أن يطبع، كل ما عدا ذلك يدخل في خانة العلاقات العامة”.