مقدمة:
تعد جرائم الابتزاز الجنسي الالكتروني من القضايا الشائعة في لبنان، لا سيما مع انتشار ثورة تكنولوجيا المعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي، التي كسرت جميع الحواجز الاجتماعية والجغرافية، وتسللت إلى غرف النوم وحياة الأفراد الشخصية. ومع الانبهار بتلك التكنولوجيا، والرغبة في تحصيل أكبر قدر من الإعجاب انهدمت جدران الخصوصية وحلت مكانها الرغبة في الشهرة، وبالتالي ظهرت القدرة على الابتزاز والتشهير. وبدلا من ان تعزز الرقمية قيم التواصل، فإنها باتت مدخلا للحصول على المعلومات واختراق اجهزة الموبايل والكومبيوتر والقرصنة على محتوياتها، واستغلالها للضغط على الضحايا عبر الابتزاز تحت طائلة التهديد والترهيب .
المصدر: صورة عن الانترنت.
الابتزاز الجنسي الالكتروني من الخوف الى الحماية، فالمواجهة :
في الوقت الذي تعمل التكنولوجيا المتطورة على خدمة الناس ومساعدتهم على إنجاز مهامهم الحياتية، يقوم بعض الأفراد ضعاف النفوس بجني الاموال بطرق غير مشروعة، من خلال استخدام هذه التكنولوجيا والحاق الضرر بالأفراد الآخرين عبر ممارسة شتى أنواع الابتزازات الالكترونية.
يهدد الابتزاز الجنسي الإلكتروني فردا ما بالتشهير، من خلال نقل ومشاركة معلومات تخصه على الانترنت، بما في ذلك الصور أو الفيديوهات، في حال لم يستجب الضحية لمطالب المبتز والتي لا تنحصر فقط في طلب المال، وانما تصل للاستغلال الجنسي. وقد يحدث الابتزاز نتيجة اختراق أو قرصنة للهاتف أو للكمبيوتر الخاص بالشخص، أو حتى استغلال صور عادية والتلاعب فيها من خلال البرامج الحديثة في المونتاج، ليظهر ذلك الشخص في شكل مخزي وفاضح. كما يلاحظ في بعض الحالات بأن بعض عمليات الابتزاز قد تكون وهمية، أي يتم خداع الضحية، وقد تقع في هذا الفخ فئة صغار السن من المراهقين وبخاصة الفتيات.
إبتزاز فترهيب… وخوف من التبليغ:
يقع نتيجة جرائم الابتزاز الجنسي الالكتروني، مئات الضحايا الذين يتعرضون للتهديد والترهيب بشكل دائم، وبالتالي تعتبر الإناث ضحايا هذه الجرائم بنسبة أعلى بكثير من الذكور، باعتبارهن الحلقة الأضعف في المجتمع، اذ يطالهن النصيب الأكبر من الأذى لكل ما يمس شرفهن وصيتهن وحتى مظهرهن. وأمام هذا الهلع من الفضح والتشهير قد تلجأ الضحية إلى الانصياع للابتزاز، أو قد تقدم على الانتحار وبالتالي تتخلص من حياتها خوفا من الفضيحة، وفي حالات قليلة قد تلجأ إلى الأسرة أو جهات التحقيق الرسمية لانقاذها، خاصة إذا وقعت أخطاء من الضحية مثل ارتكاب فعل مشين تم توثيقه.
تجربة شخصية:
سمية، شابة لبنانية تبلغ من العمر 19 عاما، وهي ضحية لاحدى جرائم الابتزاز الجنسي الالكتروني. تروي قصتها لموقع “المراقب” بانها تواصلت عبر فيسبوك مع شخص تطورت الأحاديث بينهما إلى الحميمية وتبادل الصور، ليفضي بها الحال إلى التعرض للابتزاز بنشر صورها وأحاديثها في حال لم توافق على اقامة علاقة جنسية معه، وبالتالي بدأ بابتزازها طالبا منها مبلغ ألفي دولار أمريكي، ومهددا بنشر صورها في حال لم تؤمن له المبلغ بمدة اقصاها شهرين. وتضيف سمية بانها تعرضت لأكثر من محاولة تحرش وابتزاز في العالم الافتراضي، إحداها سرقة هاتفها الشخصي وحصول المبتز على معلومات وصور خاصة بها. كما أنها كتمت ما حصل معها خوفا من “الفضيحة”في منزلها ولوم المجتمع، وفضلت الرضوخ للشاب خوفا من ردة فعل أسرتها إذا ما علمت بالامر، مؤكدة بانها لا تعرف أي وسيلة من وسائل الحماية من التحرش والابتزاز، ولا حتى كيفية التبليغ عن عنف إلكتروني، ولا تدرك أصلاً أن القوى الأمنية قادرة على حمايتها والقبض على المعنف.
من المسؤول؟ الضحية ام الجلاد:
وفي هذا السياق، تؤكد المحامية “سناء الشامي” في حديث لموقع “المراقب”، بان ما يحصل في كواليس مواقع التواصل الاجتماعي أخطر بكثير مما ينشر على الصفحات، معربة عن أسفها لكثرة الضحايا الذين يقعون بفخ هذا النوع من الجرائم. كما تشدد “الشامي” على أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الأفراد أنفسهم وليس على مواقع التواصل الإجتماعي، لان المشكلة هي في الإستخدام الخاطىء لها، مؤكدة أن الأخطر هو حالات التحرش بالأطفال، الذين لا يملكون الوعي الكافي للتعامل مع هذه الحالات، ما يفرض على الأهل متابعة هذا الموضوع، داعية لأن تكون كلمة مرور حسابات أولادهم بحوزتهم، لانه لا أحد يعرف من يتواصل مع الابناء عبر الرسائل الخاصة، ومشيرة إلى انه في بعض الحالات يتم الإغراء بأمور بسيطة، كالهدايا أو الدعوات إلى تناول الحلوى.
المصدر: صورة عن الانترنت.
وتوضح “الشامي” انه إذا كان المبتز خارج لبنان، لا تستطيع الأجهزة الأمنية القيام بأي أمر، بينما في حال كان داخل الأراضي اللبنانية فيمكن توقيفه. وتضيف بأن المبتزين لا يهمّهم نشر الفضائح بل الحصول على الأموال، مؤكدة على أهمية الوعي الاجتماعي والأسري تحديدا. كما تدعو “الشامي” ضحايا الابتزاز الجنسي الالكتروني إلى تقديم شكوى إلى الأجهزة المعنية، لتوقيف المبتزين، داعية إلى عدم التردد في هذا الأمر للحد من انتشار
الابتزاز الجنسي الإلكتروني، وسلوك الضحية:
يتسبب الابتزاز الالكتروني في مشاكل نفسية وسلوكية للضحايا، وقد يدفعهم ذلك إلى الانزواء أو يصيبهم بالاكتئاب، مما يدفعهم إلى ارتكاب الجرائم.
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة في علم النفس “ماري رياشي” لموقع “المراقب” بان الشخص البالغ مدرك وواع لتصرفاته بشكل أكبر من الشخص القاصر، وبالتالي يعلم الأساليب التي يمكن أن يلجأ إليها في حال تعرضه للابتزاز الجنسي الالكتروني، مثل المراجع الأمنية أو القضاء المختص، كما ترى ان القاصر عادة تلجأ إلى التواصل مع غرباء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة حين تشعر بالثقة بهم، نتيجة نقص في منزلها أو مشاكل عائلية تشعرها بالوحدة، في حين أن المبتز الذي يكون غالبا بالغا، يلعب على نقطة ضعف الضحية، ويشعرها أيضا بأنه مظلوم ويتفهم وضعها، فيكسبها إلى صفه ويجذبها إليه وصولا الى تبادل الصور والمعلومات الشخصية.
المصدر: صورة عن الانترنت.
وتضيف “رياشي” بأن الأمر يتطلب الوعي والحذر في التعامل مع الضحية، كذلك على الأسرة أن تتفهم الموقف إذا تعرض أحد أفرادها للابتزاز بسبب أخطاء ارتكبها، واستطاع شخص آخر أن يساومه عليها أو يهدده بنشرها والتشهير به، إذا ما استجاب لمطالبه. ولعل من أهم تلك القواعد، هي أن يميز الشخص بين ما ينشره على الانترنت، وبين ما يحتفظ به لنفسه بعيدا عن الشبكة، كذلك ألا يسمح لحياته وخصوصياته أن تكون مباحة على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لا تستغل ضده.
سبل الوقاية:
ولان الوقاية خير من قنطار علاج، فمن المهم ان تدرك كل ضحية بأنه يمكنها حماية نفسها من مثل هذه التهديدات والابتزازات الجنسية الالكترونية، بحسب المحامية “سناء الشامي” التي تنصح كل فتاة تتعرض لمثل هذا الموقف بمحاولة توثيق المضايقات الإلكترونية التي تتعرض لها قدر الإمكان، وبغض النظر عن مدى عدم الأهمية التي تعطيها لها، وقد يشمل التوثيق جمع المعلومات وحفظ الرسائل ومواد التهديد وأخذ لقطات للشاشة وتسجيل المكالمات وتتبع الأوقات والأماكن والأشخاص المتورطين في الفعل. أما إذا كانت المكالمة هاتفية، فعلى الفتاة إخبار الشخص الذي يقوم بالتهديد بهدوء، بأن يوقف سلوك التحرش ثم إنهاء المكالمة وإيقاف جميع أنواع التفاعل معه. وفي حال كان منشورا أو رسالة نصية، فعليها عدم الرد، وتحديد الرقم أو الأرقام التي يستخدمها المبتز للاتصال، وتسجيلها.
ختاما:
لا شك في ان وسائل التواصل الاجتماعي باتت سمة العصر الأبرز، وعنوانا للتفاعل بين الافراد على امتداد بقع الارض، إلا ان هذا الفضاء الافتراضي اصبح ساحة تسمح لبعض المرضى النفسيين باستخدام أسلحة خفية لممارسة عقدهم والتنفيس عن مكبوتاتهم وإيذاء الآخرين، عبر إذلالهم وإحراجهم من خلف قناع “مجهول الهوية”. وعليه، ينبغي على الأفراد السيطرة على انفعالاتهم ومشاعرهم والتصرف بمسؤولية ووعي، لان ظاهرة الابتزاز الجنسي الالكتروني اصبحت شائعة، وبالتالي تحتاج الى التكاتف الاجتماعي والاسري في وجهها ومحاربتها للحفاظ على الامن والاستقرار بين الافراد في المجتمع، في وجه المجرمين الالكترونيين، والحث على معاقبتهم قانونيا.
: الابتزاز الجنسي الالكتروني”جريمة بقناع مجهول الهوية”إقرأ المزيد أيضا:الابتزاز الالكتروني جرائم مسرحها التواصل الاجتماعي
: الابتزاز الجنسي الالكتروني”جريمة بقناع مجهول الهوية”