من المؤكد أنكم شاهدتم مؤخرا العديد من الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي لأشخاص ينصحونكم بطريقة فلسفية كيفية مواجهة مشاكلكم العاطفية، السلوكية ، العائلية، الاجتماعية و النفسية، كما اتيحت لكم الفرصة لحجز مواعيد منهم لمساعدتكم، هذه الموضة تندرج تحت ما يسمى ب لايف كوتشينغ (Life Coaching) أو التدريب على مهارات الحياة.
هل أنتم بحاجة إلى لايف كوتش أو مدرب مهارات حياتية ؟
لا شكّ أننا جميعا نواجه العديد من المصاعب الحياتية منها المهنية، الاجتماعية، الدراسية أو حتى النفسية، و نكون بحاجة هنا إلى أن نشارك همومنا مع أحد فيقدم لنا النصيحة اللازمة، من هنا خلقت مهنة لايف كوتشينغ (Life Coaching) التي تعدّت فحوى ظهورها الأساسي و أصبحت مهنة من لا مهنة له. فهل تصدّق أنّه أصبح هناك مدرّبون يساعدونك في الالتزام بالحمية الغذائية التي وصفها لك الطبيب؟ أو مساعدتك أيتها الفتاة في اختيار الرجل المناسب أو تدريبك على استفزازه بعدما هجرك!
طبعا ستكون ممتنا و غير آبه بالمبالغ المالية التي ستدفعها مقابل أن يرسم لك أحدهم مشهد حصولك على الجسم الرياضي المثالي الذي ستتباهى فيه أمام الآخريات أو ستشعرين بالاستقلالية و الغرور الأنثوي عندما يجعلك هذا المدرّب تتخيلين أنّ بهذه الطريقة سيعود إليك من هجرك متوسّلا و مذلولا!
و مع اتّساع المجالات التي أصبح يغطيها مدرب الحياة، زاد الطلب على هذا النوع من الخدمات في العالم العربي ما أدّى إلى التحاق العديد من الشباب في هذه المهنة التي أصبحت مصدر رزق و شهرة للعديد منهم، و هنا اختلط الحابل بالنابل بين مختصّ و متعطش للشهرة و المال.
“لايف كوتشينغ ” بيزنس العصر
تعوّدنا في عالمنا العربي على أن تستغلّ حاجاتنا و تتحوّل إلى تجارة لتلبيتها، و مع ازياد الضغوطات و المصاعب التي تواجه البقعة العربية، زادت الحاجة إلى الفضفضة كما نسمّيها لشخص مختصّ، الأمر الذي دفع برجال الأعمال لإنشاء مراكز تدريب على المهارات الحياتية يخدعون بها الناس على أنهم متخصصون في هذا المجال و كل من سينتسب إليهم سيتخرج بلقب “مدرب حياة معتمد” !
هذه الشهادة المزيّفة لن تكلّفك سوى حضور بعض التدريبات و مبلغ مالي يتراوح بين ال 1600-2500 دولارا أمريكيا فقط لا غير!!!! في حين أنّك تستطيع الحصول على مهارة التغلب على عقبات حياتك مجانا من خلال قراءتك لكتاب ” فن اللامبالاة” بصيغة PDF على محرّك البحث غوغل!!
و من الجدير ذكره أنه هناك فعلا مراكز تدريب معتمدة أشهرها مركز ICF الأميركي الذي تأسس عام 1995، و يعتبر المنطمة الدولية الأكبر في مجال التدريب على مهارات الحياة و هدفها الأساسي التوعية بأهمية التدريب على مهارات الحياة وضمان الارتقاء بأخلاقيات المهنة. كما يعتبر برنامج Meta-Coach™ Training الأحدث في التدريب على الاتصال و هو يعتمد على العلوم المعرفية للبرمجة اللغوية العصبية (NLP) والدلالات العصبية (NS) ويدمجها في علم النفس التدريبي المتطور.
في لبنان أيضا هناك فرع لمنظمة ICF و يطلق عليها اسم “Lebanese Coach Association” or LCA و تأسست عام 2010 و هي لا تزال منظمة التدريب المعتمدة الوحيدة في لبنان و هدفها نشر الوعي بـ “التدريب” كمهنة.
و بحسب موقع الجزيرة قد تتراوح أسعار الحصول على الشهادات من هذه المعاهد المعتمدة من 1200 إلى 11 ألف دولارا أمريكيا!!!!
أموال طائلة باسم لايف كوتشينغ/ تجارة الوهم
حوّلت وسائل التواصل الاجتماعي العديد من المدربين غير المؤهلين إلى نجوم يجنون أموالا طائلة من خلال حشدهم لأناس طبيعيين أو ربما يعانون من أمراض نفسية و هم بحاجة إلى سماع كلمة تنتشلهم من واقعهم المرير و ترسم لهم أحلام العصر على قوالب من ذهب مقابل الذهب.
و في الحديث مع لايف كوتش المعتمدة “آلاء أبو دلة” أفادت بأنه هناك لغط كبير بين لايف كوتشينغ و التحفيز، في حين أنّ كل شخص لديه تجارب شخصية أو قرأ العديد من الكتب التحفيزية يصف نفسه على أنّه لايف كوتش.
و قد أضافت أبو دلّة أنّ الهدف الأساسي من لايف كوتشينغ هو التعامل مع العميل على حسب ما يحتاجه لا على حسب تجربة المدرب، أي أن الكوتش المتخصص لا يستطيع تقديم النصيحة من خلال تجربته أو ما تعلمه من حياته الشخصية بل يقوم بإيضاح النقاط المعلّقة عند العميل كي يستنتج الأخير ما يناسبه من أدوات للتطوير و التحسين و التغيير. و إنّ وقوع العملاء في قبضة الدّخلاء على المهنة قد يفاقم من مشاكلهم بل يمكن أن يقحمهم في أضرار أكثر عواقبها نفسية و اجتماعية.
و قد رفضت آلاء إطلاق اسم “جلسة” على الحوار بينها و بين العميل بل سمّت ما يحدث ” بالمواجهة” نظرا إلى أنّ العميل يقوم بمواجهة ذاته من خلال تقنية Mirroring (Mirror Stage)، مضيفة إلى أنّ سعر هذه المواجهة معها لا يتعدّى ال 45$ دولارا أمريكيا للساعة الواحدة، في حين أنّ الكثير من غير المتخصصين يحصلون أقلّه على 280$ للساعة الواحدة، و هذا المبلغ قد يزيد بحسب شهرة المدرب و عدد متابعيه على مواقع التواصل الإجتماعي.
الحد من السمسرة
صحيح أننا كلنا بحاجة إلى من يصغي إلينا و يحفزنا للخروج من قوقعتنا الآمنة (Comfort Zone) للوصول إلى طريق النجاح، و لكن كلنا في الحقيقة نستطيع الوصول إلى بر الأمان بأنفسنا دون حاجة اللجوء إلى أحد. و إن كما مضطرين إلى ذلك فعلينا أن نكون بكامل وعينا للتفريق بين المختص و المزيّف، و على الجهات المختصة أيضا واجب الحد من السمسرة في المهنة و الحياة النفسية التي يمارسها هؤلاء الدخلاء.