برلا يوسف
لا بد من البحث اليوم في مستقبل الاعلام، في ظل التحديات التي يواجهها القطاع نتيجة التفاعل بين ثورة الاتصالات من جهة، والتطور في تكنولوجيا المعلومات من جهة اخرى، والذي ادى الى ظهور نوعًا اعلاميًا جديدًا هو الاعلام الرقمي.
تدور اغلب النقاشات حول مستقبل المهنة وشكلها، مع التحديثات التي فرضت عليها، والقلق من امكانية استمرار الاعلام التقليدي بالتوازي مع الرقمي وما انتجه من تقنيات حديثة على صعيد الشكل والمضمون. وبات السؤال الابرز اليوم: هل يمكن ان يكون الرقمي في المستقبل بديلاً عن التقليدي؟
النظرية الاولى تنطلق من زاوية متفاءلة
تستبعد هذه النظرية فكرة حلول الاعلام الرقمي مكان التقليدي. وتبرر موقفها بالعودة الى الماضي، اذ كل ظهور لوسيلة اعلامية على مر العصور لم يلغي سابقاتها، فالخطر والتهديد المرافق لكل جديد امر طبيعي.
فقد استمرت جميع وسائل الاعلام التقليدية اكانت الصحف والجرائد او الاذاعة او التلفزيون مع حفاظ كل منها على جمهورها. والدليل على ذلك ان الكتب لا تزال موجودة، والصحافة الورقية بقيت لسنوات طويلة الوسيلة الاولى للحصول على الاخبار والمعلومات رغم ظهور الراديو ولاحقًا التلفزيون، فاصبح الجمهور يقرأ، يستمع ويشاهد.
والوضع الحالي لا يختلف عما سبق، فقد يخفت نجم الوسائل التقليدية فقط وقد يقل عدد جمهورها لكنها لن تختفي ولن تحل اي وسيلة جديدة مكان اخرى.
النظرية الثانية يسودها التشاؤم
يرى البعض ان لا مستقبل للتقليدي بالاخص الصحف الورقية، اذ لن يستطيع مجاراة الرقمي وما يتمتع به من خصائص تميزه عن بقية انواع الاعلام، من حيث المحتوى والاشكال الحديثة المستخدمة لايصاله. وخير مثال، توقف جرائد ومجلات عريقة عن الصدور والاقفال، فمنها من كانت تطبع نسخًا بالملايين اضحت غير قادرة على الاستمرار بوجه الاعلام الجديد.
وفي احسن الحالات، تحولت بعض الصحف والمجلات الى العالم الرقمي لعلها توقف شيئًا من تراجعها. ويعود ذلك الى مجموعة ميزات يتمتع بها هذا الاعلام منها السرعة والسهولة في الحصول على الخبر، وامكانية التحديث المستمر له، فاصبح المتلقي على بعد نقرة من المعلومة ما اسهم في حصول الرقمي على الافضلية على حساب الوسائل الاخرى.
وبروز الاعلام الجديد زاد من ازمات التقليدي ازمة، فهذا الاخير كانت تعاني وسائله من ضائقة مالية شديدة. فاتى الرقمي وزاد الطين بلة، اذ سرق من هذه الوسائل احدى اهم مواردها المالية، فقد تمكنت مواقع التواصل الاجتماعي من جذب سوق الاعلانات اليها لما يقدمه من ميزات تجعل المعلن قادرًا على تجزئة السوق ودراسته بطريقة دقيقة. ففي عام 2020، 75٪ من الإعلانات الرقمية في الشرق الأوسط ذهبت إلى فايسبوك وغوغل.
فالبيانات التي تجمعها المنصات الرقمية عن المتلقي، تساعد المعلن في وضع خطط اكثر نجاحًا في استهداف الجمهور حسب الفئة العمرية والجنس والاهتمامات وبالتالي يمكنه تسويق منتجاته بطريقة افضل.
لذا سيصبح الرقمي بنظر هذه الفئة، بديلاً عن التقليدي لصعوبة هذا الاخير في مجاراة الالكتروني من ناحية التنوع في المضمون وكيفية انتاج محتوى بطرق مختلفة بالاضافة الى العنصر المادي الذي يشكل احدى النقاط المهمة في الوسيلة الاعلامية والذي يؤثر عليها بشكل كبير.
النظرية الثالثة تقوم على فكرة الدمج بين التقليدي والرقمي
يرى مؤيدو هذه الفكرة، ان الرقمي امتدادًا للتقليدي وتطويرًا له (في هذا الاطار اعد مركز الجزيرة للدراسات دراسة يمكنك الاطلاع عليها هنا)، ومن الامثلة التي يطرحونها، الصحف التي باتت تصدر بنسختين ورقية ورقمية والتي اصبح لديها مواقع الكترونية تطرح من خلالها محتواها، وكذلك الراديو والتلفزيون اللذان دخلا الفضاء الالكتروني من خلال البث الحي على مواقع الانترنت.
ويعتبر هؤلاء بذلك ان التقليدي قد حافظ على جمهوره وفي الوقت عينه اصبح متواجدًا في الحقل الرقمي ليستقطب جمهورًا جديدًا. وان الدمج بين وسائل الاعلام التقليدية والجديدة اتاح للصحافيين تقديم المحتوى بشكل متنوع، متميز، ومؤثر بطريقة اكبر.
ولا يقف الامر عند حدود تحول التقليدي الى الرقمي فقط والاستفادة من خصائصه الشكلية المتعددة، بل ايضًا على صعيد المضمون، يجب العمل على نقل العراقة والاصالة التي تتمتع بها الصحافة التقليدية الى الالكتروني، خصوصًا مع بروز اشكالات في العالم الرقمي من الاخبار الكاذبة والشائعات والمعلومات الخاطئة وغيرها، تهدد امكانيته في ان يكون اعلامًا رصينًا. وبذلك يكون الدمج بين المضمون الجيد والشكل المتميز في خدمة الخبر لايصاله بالطريقة الافضل للمتلقي.
بالختام لن يكون الاعلام الرقمي مستقبليًا اعلامًا بديلاً عن التقليدي، بل مطورًا له عملاً بما انتجه عصرنا تكنولوجيًا. والعلاقة بين هذين الاعلامين هي علاقة تكاملية لان الهدف الاساسي تقديم رسالة اعلامية جيدة.