نوال برو
لا تتوقف صفحة “ناس دايلي” على فايسبوك عند نشر معلومات عن حياة الشعوب وعاداتهم، بل هي أداة شهيرة من أدوات تجميل صورة العدو الإسرائيلي والدعوة للسلام معهم. أُنشأت بواسطة نصير ياسين، فلسطيني من مدينة عرّابة في منطقة الجليل، وبات اليوم يتابع صفحته الرسمية أكثر من ١٩ مليون شخص. في سنة ٢٠١٦ ترك ياسين، خريج جامعة هارفارد، وظيفته التي تدر عليه 120 ألف دولار في السنة في مدينة نيويورك، وفضّل السفر حول العالم لنشر مقاطع فيديو. ولكن سرعان ما تحولت صفحته إلى أداة للتطبيع الرقمي للعدو الإسرائيلي. عادة يتلقى ناس دايلي التعليقات الداعمة على فيديوهاته لأنها معمولة بحرفية عالية، باستثناء تلك المطبعة للعدو الإسرائيلي، حيث تتلقى الكثير من التعليقات المعارضة وبخاصة من قبل العرب. في مقالنا هذا سنركز عند نشر ردود الأفعال على الفيديوهات، على آراء العرب فقط.
!مسامحة الإسرائيليين هي الحل بحسب ياسين
“لقد كبرت في مكان حيث العدالة مهمة جداً، لقد كبرت في إسرائيل وفلسطين، حولي هناك الكثير من الناس الذين يحاولون إيجاد العدالة.” هكذا بدأ ناس ديلي أو نصير ياسين أحد الفيديوهات بعنوان” لماذا العدالة غير موجودة” ، وأكمل بأن لا أحد سيرتاح حتى تحقيق العدالة. ثم قال أنه لا يؤمن بالعدالة، فهو قد تعلم أن التسامح أقوى بكثير. وقد تعلم ذلك من امرأة في رواندا سامحت الرجل الذي قتل كل عائلتها وحاول قتلها وأصبحت صديقته. ولقد قامت بذلك بعد إعلان الرئيس الرواندي عن مسامحته للقتلة الذين شاركوا في الإبادة الجماعية في رواندا، حيث قال “المسامحة فقط هي الكفيلة بشفاء الأمة”. وختم ياسين الفيديو بالقول أن رواندا اليوم هي من أنجح الأمم في القارة الأفريقية، فهي اليوم دولة آمنة ونظيفة ومزدهرة. وأضاف، “في نهاية اليوم كل واحد منا قد يواجه اللاعدالة وكل واحد منا يريد أن ينتقم، ولكن ما تعلمته هو أن العدالة غير موجودة في العالم الحقيقي. فبدل القيام بالمطالبة بالعدالة، فلنسامح لأنه الطريق الوحيد.”
قبل الحديث عن الرسالة من وراء هذا الفيديو، إن جملة “لقد كبرت في إسرائيل وفلسطين” كفيلة لإظهار لنا تطبيع ياسين، فهو يعترف بذلك بوجود دولة إسرائيل. يحاول ناس دايلي من خلال هذا الفيديو أن يقنعنا بأن العدالة غير موجودة ولن تتحقق. من خلال بدء الفيديو بهذه الطريقة، واستكماله بقصة المرأة الرواندية، يعمل ياسين على إقناعنا بأن العدالة بموضوع القضية الفلسطينية مستحيلة، لذا لا حل لنا سوى أن نسامح الإسرائيليين. فمسامحة فلسطين لإسرائيل سيحقق السلام والمحبة بين الشعبين، وستصبح فلسطين دولة قوية وناجحة ومزدهرة، كما أصبحت رواندا.
ناس دايلي… يعلن عن أصوله اليهودية
عنوان أحد الفيديوهات هو” تبين أني يهودي”. تكلم ياسين في هذا الفيديو عن أن الحمض النووي الخاص به يدل على أن ١٪ من أصله هو يهودي. فاستنتج من هذا الفيديو أنه لا يكره اليهود لأنه بذلك سيكون يكره جزء من نفسه على حد قوله. بغض النظر عن أن الحمض النووي لا يحدد لنا أصلنا الديني، لقد نكر ياسين كل أصوله ال ٩٩٪ وركز على ال ١٪ من “أصله اليهودي”. فهو يريد أن يقول للناس أنهم لا يجب أن يكرهوا الشعب الإسرائيلي أبداً، فهم يهود وكل شخص ممكن أن تكون لديه أصول يهودية مثلهم ولو كانت نسبة هذه الأصول صغيرة. كما يريد أن يشعر الناس بأننا وإياهم (الإسرائيليين) واحد، إذ أننا نمتلك أصل واحد.
“معظم العرب والإسرائيليين يريدون السلام” … ولكن
في أول الفيديو بعنوان “حقيقة اليهود والعرب” عرف ناس دايلي نفسه على أنه إسرائيلي فلسطيني لأحد الإسرائيليين الذين مروا أثناء تصويره لفيديو. وبات يبرر له ولأخته أن العرب ليسوا بربريين ولا إرهابيين وليسوا أغبياء كما كانوا يتهمونه، وعبر عن أسفه وحزنه لما قالوه. وذكر خلال الفيديو أنه كما يوجد هذا الرجل اليهودي الذي لا يؤمن بوجود عرب صالحين، هناك الكثير من العرب الذين لا يؤمنون بوجود يهود صالحين. ولكنه عاد وفرح عندما مرّت ثلاث فتايات إسرائيليات قاموا بالحديث معه بمحبة بغض النظر عن أنه فلسطيني ومسلم. واعتبر في آخر الفيديو أن العرب واليهود هم جيران. وأضاف “التلفاز يظهر فقط صورة العرب الذين يحاولون قتل اليهود واليهود الذين يحاولون قتل العرب. وهو لا يظهر أن أكثرية العرب واليهود مثلي ومثلكم لا يريدون الحرب، ولكن أصواتنا لا تسمع.” وما حصل معه جعله يدرك وجوب أن تسمع أصوات أمثاله أكثر لإظهار واقع “الرغبة في السلام بين العرب واليهود”.
يعمل ياسين على خلق صورة في أذهاننا، وهي أن الأشخاص الذين يرفضون السلام مع إسرائيل ويرفضون التعايش معها هم أقليات. فالتلفاز لا يظهر الصورة الكاملة، أي أنه لا يظهر أن إسرائيل وفلسطين جيران وأن الشعبين يريدان السلام لكن بعض “الفاسدين” من الجهتين لا يسمحون بذلك. هذه الفكرة، فكرة أن معظم العرب والإسرائيليين يريدون السلام، حاول ناس دايلي تكرارها في عدة فيديوهات. على سبيل المثال فيديو” اليهود والعرب يكرهون بعضهم البعض”. في الفيديو قام ياسين بدعوة زعماء يهود ومسلمين ومسيحيين لمقابلة قادة سياسيين فلسطينيين حيث ظهرت صور الألفة والمحبة بين الموجودين وكأنه لا يوجد أي عداوة بينهم.
نحن بطبيعتنا نتأثر بمجتمعنا، ومعظم الناس تتماشى مع أفكار ومعتقدات أغلب المجتمع. لذا فإن ايصال فكرة للناس المعارضين للسلام مع إسرائيل بأنهم أقلية أمر خطير جداً، وقد يؤدي إلى تراجعهم عن الدفاع عن القضية الفلسطينية.
ياسين وجد الحل للقضية الفلسطينية
في أحد الفيديوهات “حلي لمشكلة إسرائيل وفلسطين” زعم ناس دايلي أنه وجد الحل للقضية الفلسطينية. الحل هو بوجود دولة إسرائيل ودولة فلسطين، حيث الحدود هي حدود ١٩٦٧. ولزرع الثقة بين الطرفين، على إسرائيل أخذ المستوطنات من الضفة الغربية لأنها غير شرعية. أما فلسطين فعليها أن تبني دولة لا تدعو للعنف. ولا بد من استرجاع المواطنين العرب واليهود الذين طردوا خارج البلاد بسبب هذه الأزمة. ولا بد أن تكون القدس عاصمة مشتركة بين فلسطين وإسرائيل. وهذه الحلول ستساعد على إحلال السلام.
ياسين يقوم بجعل حل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين سهلاً جداً. هو لا يجد أن إسرائيل محتلة للأراضي الفلسطينية، بل يجد أن فلسطين وإسرائيل تتنازع على أراضي من حق الإثنين. وهو ضد الصراع بين الطرفين وضد الدفاع عن القضية الفلسطينية فالطرفين مخطئين برأيه ولا حل إلا السلام. أيضا في أحد الفيديوهات الأخرى, أعلن ياسين حياده بعد طلب البعض منه الوقوف مع فلسطين وطلب البعض الآخر منه الوقوف مع إسرائيل. إذ اعتبر أن الوقوف مع طرف واحد هو أمر خاطئ لأن الطرفين مذنبين. يحاول ياسين من خلال فيديوهاته هذه أن يشعر الناس بأن الفلسطينيين مخطئين مثلهم مثل الإسرائيليين. كما يعمل على بث اليأس في نفوس مناصري القضية الفلسطينية وترسيخ فكرة أن طرد الإسرائيليين من بلادهم أمر مستحيل، والحل هو فقط تقسيم الأراضي بين الطرفين والتعايش مع بعضهم البعض.
أكاديمية ناس دايلي… وسيلة لإكمال درب ياسين التطبيعي
إن نصير لم يقف عند حد نشر فيديوهات التطبيع مع العدو الإسرائيلي، بل أعلن في آب الماضي عن مسابقة وبرنامج تدريب يحمل اسم “ناس ديلي القادم”، وهو يهدف إلى صناعة مشاهير جدد يسيرون على درب ياسين. فاعتبر البعض البرنامج التدريبي هذا “استنساخاً للدُمية”. لا يُدرّب ياسين المشتركين بنفسه، بل هو مُجرّد واجهةٍ فيما يتولّى إدارة التدريب إسرائيليّ اسمه يوناتان بيليك، خدم في جيش الاحتلال الإسرائيليّ، وتولّى مهمّة تحفيز طلبة الثانويّة في “إسرائيل” على الالتحاق بالجيش. كما يضم فريق العمل حبيبة ياسين الإسرائيلية ألين تامير والمدربة الإسرائيلية أليا فاستمان التي خدمت أيضاً في الجيش الإسرائيلي، وهي ناشطة في مجال التدوين للترويج ل “المطبخ الإسرائيلي”. ومن هنا يصبح هدف أكاديمية “ناس ديلي القادم” واضح، وهو تخريج أشخاص أمثال نصير ياسين يلمعون صورة الإحتلال الإسرائيلي ويدعون للسلام معها.
لذلك، وبسبب فيديوهاته المطبعة، كانت حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات “BDS”، قد دعت إلى مقاطعة ناس دايلي والامتناع عن متابعته.
إن ناس دايلي يزيد إنتشاره يوماً بعد يوم، وهناك عشرات الفيديوهات الأخرى التي تحمل رسائل مشبوهة، إما بشكل مباشر أو غير مباشر. ومن خلالها يعمل ياسين على غسل العقول والترويج للعدو الإسرائيلي والتحبيب به. لا بد من التحذير من التعامل مع “ناس ديلي” ومشاريعه، ليس بدافع مناصرة الفلسطينيين وقضيتهم فقط, على الرغم من أهمية ذلك, بل بسبب خطورة كل ما يروج له ياسين وفريقه والذي يهدف إلى خدمة مصالح إسرائيل وتجميل صورتهم.