فرح عمر
تختصر صور زلزال تركيا وسوريا ألف كلمة عن حجم المأساة التي تعرض لها البلدان، وتعبّر عن مشاعر مختلطة بين إيجابية في انقاذ مواطنين واخرى سلبية في انتشال جثث من تحت الانقاض. وما بين المشهدين تنتشر صور الأطفال الناجين من تحت الأنقاض بشكل كبير، ويتوسع معها الجدل حول السماح بنشر هذه الصور، والمعايير والأخلاقيات التي تضبط نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي.
منذ اليوم الاول لوقوع زلزال تركيا وسوريا، عمد مواطنون ومسعفون ومشاركون في عمليات الاغاثة في المناطق المنكوبة في تركيا وسوريا الى نشر صور وفيديوهات على وسائل التواصل الإجتماعي لأطفال اُنقذوا من تحت الانقاض اما لجمع الاطفال بعائلاتهم، او لتوثيق وإظهار حجم الكارثة الإنسانية،او حتى لجمع المشاهدات والتفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنّ هذه الصور تخطّت الاهداف المنشودة وشكّلت خطرا على حياة هؤلاء الأطفال.
عصابات خطف الأطفال تنشط في سوريا وتركيا
اثارت قصة الطفل السوري ابراهيم صاحي الذي ظهر وهو يأكل موزة ووجه مغطى بالجروح والكدمات في احد مستشفيات الشمال السوري، تعاطفا كبيرا معه بعد إعلان وفاة جميع افراد عائلته. كثيرون اعادوا نشر صورته على وسائل التواصل الإجتماعي وتفاعلوا معها، حتى تهافت البعض الى طلب تبنّيه ليتبيّن في وقت لاحق أن والده على قيد الحياة، فأعيد الشمل بينهما.
قد تبدو وكأنها قصة انسانية جميلة، لكنّ الخطر يكمن فيما اعلنه العضو المؤسس لفريق “ملهم” عاطف نعنوع في فيديو عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، بأنّ هذا الطفل قد تم اختطافه وهو في المستشفى قبل ان يتمكّن فريق ملهم من اعادته. وقد حذّر نعنوع المستشفيات بعدم نشر صور الأطفال المتضررين من زلزال تركيا وسوريا من دون التأكد من نجاة ذويهم أو أقاربهم حماية لهم من محاولات الخطف.
حال الطفل صاحي لا يختلف كثيرا عن حال بقية الاطفال الذين نجوا من زلزال تركيا وسوريا. آية ناجية اخرى ولدت تحت الأنقاض من أمها التي فارقت الحياة بسبب الزلزال، ليتم انقاذ الطفلة بعدها ووضعها في احد المستشفيات في مدينة عفرين السورية. نجوم من مختلف انحاء العالم طلبوا تبنيها ما جعلها عرضة للاختطاف من قبل مواطنين حضروا الى المستشفى مدّعين انهم اقاربها بحسب ما افادت وكالة “اسوشيتد برس”، قبل ان يتم تسليمها الى عمّتها بعد اجراء فحص الحمض النووي.
تصريحات أطفال ناجين تحت تأثير الصدمة والخوف
أطفال آخرون ناجون من زلزال تركيا وسوريا لم تحترم عدسات الكاميرا تأثير الصدمة والخوف عليهم قبل او بعد انقاذهم من تحت الانقاض. فهذه طفلة سورية تحتضن اخاها لحمايته، صوّرها احد المتطوعين في فرق الانقاذ وهي تحت الانقاض، وتناشده ان ينقذها بعبارة “طلعني بعمل يلي بدك ياه انا خدامة عندك”
فيديو الطفلة لاقى انتشارا كبيرا على وسائل التواصل الاجتماعي بين من تعاطف معها ومن هاجم المتطوع الذي صوّرها بهذه الحالة.
عدسات الكاميرا ايضا التقطت فيديو لطفل معلق بين انقاض مبنى مهدد بالانهيار في مدينة ادلب السورية حيث كان والده يلقنه الشهادة. الفيديو أظهر لحظة الرعب التي كان يمر بها الطفل خوفا من السقوط قبل ان تعمل فرق الإغاثة على انقاذه لاحقا.
تأثير نشر صور الأطفال على صحتهم الجسدية والنفسية!
تقول المعالجة النفسية حنان نصر “إنّ التقاط الصور للأطفال يكثر في الكوارث الطبيعية بسبب سعي الجميع الى السبق الصحفي، خصوصا انّ الناس في الكوارث تتعطّش الى معرفة الاخبار في اسرع وقت ممكن.
ومع امتلاك الجميع للهاتف في عصرنا اليوم، باتت شبكات التواصل الاجتماعي اكثر سرعة في نشر الاخبار من وسائل الاعلام التقليدية في حالة الكوارث، وهذا ما كان واضحا في تجربة زلزال تركيا وسوريا.”
وعن سبب اختيار تصوير الأطفال بشكل اساسي في الكوارث، تضيف نصر “إنّ الأطفال هم الأكثر تأثيرا على الشعب لذلك يتهافت الجميع الى تصويرهم ونشر صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على اكبر عدد من المشاهدات والتفاعلات”.
أمّا عن الأطفال الناجين من زلزال تركيا وسوريا فتعتبر نصر “أنّ نشر صورهم هو انتهاك لحقوقهم، خصوصا مع عدم موافقة ذوييهم على نشرها، وتأثير الصدمة والخوف على الطفل في الكارثة، فتكون اجوبة الطفل غير مدروسة، ما يعرّضه لمشاكل نفسية بعد انقضاء هذه الكارثة، وابرزها التنمر، او الأذى الجسدي كحالات الاختطاف التي تعرّض لها بعض الأطفال الناجين من الزلزال”.
وتحذّر نصر من خطورة هذه الآفة، لافتة الى “انّ تصوير الأطفال واجراء المقابلات معهم خلال الزلزال، من شأنه ان يؤثر على علاج الأطفال مع اخصاء نفسيين لكثرة المشاكل النفسية والجسدية التي سيعرضون لها من جرّاء نشر صورهم واخبارهم، اضافة الى المشاكل الاخرى الناجمة عن فقدان اهلهم، او تذكر مشاهد مؤلمة لهم من تحت الأنقاض، ما يصعّب عملية علاجهم نفسيا”.
ودعت نصر الى الامتناع عن اجراء المقابلة المباشرة مع اي طفل سواء في الكوارث او غيرها، وخصوصا لمن هم تحت سن ١٨، لعدم دراية هؤلاء الأطفال بما يجيبون عليه والطريقة التي يجيبون بها.
قوانين دولية تحمي الاطفال
تنص منظمة الامم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عنها على الالتزام بشروط عدة حددتها في نشر صور الأطفال. ومن بين هذه الشروط، عدم نشر قصة او صورة تعرض الطفل او اخوته واقربائه للخطر. وتطلب المنظمة حسب مبادئها الحصول على اذن من الطفل وولي امره في كل المقابلات، او تصوير فيديو، وأن يكون هذا الاذن كتابيا.
القانونان التركي والسوري ايضا يمنعان نشر صور الاطفال او استخدامها لأية اهداف كانت، وينصان على عقوبات تطال كل من ينتهك هذه القوانين تصل الى حد السجن لسنوات، عدا عن غرامات مالية
ومع ذلك، يغيب تطبيق هذه القوانين على ارض الواقع، وتكثر الانتهاكات بحق الأطفال في الكوارث والحروب التي يشهدها العالم، كالتي شهدناها في زلزال تركيا وسوريا. فمن يحمي الأطفال من المخاطر التي تحيط بهم؟ وما حال لسان اولياء الاطفال الناجين من زلزال تركيا وسوريا لو رأوا عدسات الكاميرا على اطفالهم في حالات ضعفهم وانكسارهم ؟
لقراءة المزيد حول السلامة الرقمية اضغط هنا