باتريسيا الحدّاد
أدّى ظهور الإعلام الجديد إلى تحوّلات جذريّة في مهنة الصّحافة، مع تعاظم دوره، وباتت هذه المهنة تواجه تحدّي النّجاح في مهمّة التحوّل الرّقمي: فمن الإعلام التّقليدي، الذي بدأ مع الإعلام المطبوع المكتوب كالصّحف والمجلاّت، مرورًا بالمسموع والمرئي، وصولاً إلى ما يعرف بالنّسخة المعدّلة من هذا الإعلام التّقليدي. تتفاعل عوامل عدّة داخليّة كانت أم خارجيّة لإحداث هذا التّغيير، الذي ظهر بالأساس نتيجة التطوّر الكبير في مجال الإتّصالات وتكنولوجيا المعلومات، والذي يعتمد على استخدام الحاسوب والاتّصالات في إنتاج المعلومات وتخزينها وتوزيعها.
في عصرنا هذا، “عصر السّرعة”، تمرّ الصّحف الورقيّة بأزمة كبيرة لا يمكن تجاهلها في ظل ضعف القدرة التّنافسيّة للصّحف المطبوعة مقابل هيمنة وسائل الإعلام الرّقميّة. لذا تحتاج المؤسّسات الإعلاميّة المطبوعة إلى ضرورة التكيّف. فكيف يتمّ ذلك؟ إنّها مدعوّة اليوم إلى معايشة التّكنولوجيا والاستفادة منها قدر الإمكان بغية الحفاظ على الاستمراريّة، قدرتها التّنافسية والازدهار في العصر الرّقمي، وذلك لتأمين تقدّمها، ولجذب القرّاء إليها من خلال .تقنيّات متقدّمة تلبّي طموحاتهم، ودون الإخلال بالقراء الكلاسيكيين الذين اعتادوا على نمط معيّن في القراءة
الدّمج بين المطبوع والإلكتروني
مع كلّ التحوّل الرّقمي القائم، وحفاظًا على بقائها في السّاحة، على الصّحف المطبوعة استيعاب ما يحصل بها وحولها من تطوّر، وعليها التكيّف ويمكن ذلك من خلال عمليّة الدمج بين المطبوع والإلكتورني. وبين نظريّتين واحدة متفائلة والثّانية متشائمة في ما يتعلّق بموضوع التحوّل الرّقمي للجرائد المطبوعة، تأتي عمليّة الدّمج كنظريّة ثالثة تتوسّط النّظريّتين السّابقتين لتؤكّد على ضرورة استفادة الصّحف من التطوّر التّكنولوجي الحاصل، وتكون بذلك قد حافطت على جمهورها واستقطبت جمهورًا جديدًا.
نسخة الكترونيّة لجريدة الجمهوريّة نسخة ورقية لجريدة الجمهورية
مقارنة بين الصّحيفة الورقيّة ونسختها الالكترونيّة
مع التحوّل الرّقمي الحاصل، هناك تغيّرات عدّة طرأت على الصّحيفة الورقيّة وأصبح بإمكاننا القيام بمقارنة بينها وبين نسختها الالكترونيّة:
- سرعة نقل الخبر: ينفر القارئ من النّسخة الورقيّة لأنّه عندما تصل إلى متناول يده، تكون قد أصبحت الأخبار فيها قديمة، لذلك يلجأ القارئ إلى المواقع الالكترونيّة التي تتمتّع بالآنيّة والسّرعة في مواكبة الأحداث. وبالتّالي فإنّ النّشر الالكتروني يزوّد القارئ بالأخبار مع تواجد عدّة عناصر بالإضافة إلى النّصّ: صور، فيديو، وهذا يقرّب المسافة بين الموقع والمتلقّي.
- أهمّ ما يميّز الصحافة الإلكترونية: ميزة التفاعل حيث بات باستطاعة القارئ مع التحوّل الرّقمي المشاركة مباشرة في عمليّة التّحرير، ويتمّ ذلك عبر تمكّن المتصفّح من التّعليق على أي مقال أو موضوع منشور الكترونيًّا.
- يمكن اعتبار أنّ الصّحافة الالكترونيّة أصبحت جزءًا لا يتجزّأ من حياة القارئ، لماذا؟ لأنّها ترافقه عبر مختلف الوسائل وبشتّى الأوقات: فإن جلس أمام الحاسوب في إمكانه الاطلاع عليها إلكترونيا، وفي فراشه يمكن للقارئ أن يتصفّح الرّسائل القصيرة. كما هناك أيضًا خدمات الأخبار على الهواتف الذكيّة من خلال التّطبيقات المتوفّرة للمستخدم.
- لكي تصدر الصّحيفة الورقيّة نجد حاجة إلى مقرّ يجمع العاملين، على عكس الصّحف الالكترونيّة التي بإمكانها الصّدور بفريق عمل متفرّق. أصبح من الممكن أن يعمل الصّحفي من منزله.
- في الصّحيفة الالكترونيّة إمكانيّة بأن نزيد وسائط متعدّدة مع إضافة روابط داخليّة وخارجيّة، ما يغني المضمون.
تجربة الصّحافي جورج شاهين
جريدة الجمهوريّة، كغيرها من الجرائد أقدمت على القيام بهذا التحوّل الرّقمي وأصبحت لديها نسخة الكترونيّة. وفي حديث مع الصّحافي والمحلّل السّياسي جورج شاهين ، أطلعنا عن رأيه بهذا التحوّل وكيف وجد هذا التّغيير.
جورج شاهين يعتبر أنّ التّطوّرات وتكنولوجيا المعلومات والاختراعات الجديدة على مستوى وسائل الإعلام الالكترونيّة قد فرضت هذا التّغيير، وبات يقال عن حقّ بأنّ العالم أصبح قرية كونيّة صغيرة. سمح هذا التّطوّر بأن تكون عمليّة نقل المعلومات أسرع بكثير ، وبات باستطاعة الإنسان أن يعيش معاناة أخيه الإنسان ويواكب هموم الآخر في أي مكان كان من العالم وأن يشهد على أي تطوّر تكنولوجيّ، صناعي أو تجاري… أصبح بإمكان الفرد أن يمسك هاتفه في أي وقت وأن يطّلع على الصّحف.
بالنّسبة إلى طريقة العمل، عبّر شاهين عن أنّه والصّحفيّين في الجريدة قد وجدوا لذّة في الحصول على خبر سريع وبثّه بلحظات عبر وسائل الإعلام الإلكترونيّ، الذي له الصّدى المباشر والفوري : “عندما كنت أعمل في مجلّة أسبوعيّة، كنت أنتظر أسبوع لأرى ما قمت به أمّا الآن فيمكن الرّجوع فورًا إلى الخبر المكتوب على الصّفحة الالكترونيّة”.
أعرب أيضًا عن أنّه لهذا التغيّر تسهيلات لم تكن تخطر بباله، فأصبح بإمكانه الآن أن يكتب مقاله من منزله ويرسله دون الذّهاب إلى مكان عمله أي “جريدة الجمهوريّة” ويكون بالتّالي قد وفّر على نفسه جهد بالذّهاب إلى المؤسّسة الإعلاميّة وقضاء وقت في زحمة السّير. لم يتوقّع أن يشهد على عمل سريع وبأقلّ كلفة كما الذي يشهده اليوم. فيرى إذًا أنّ التّسهيلات كانت أكثر من المصاعب، حيث قال بهذا الخصوص: ” تبقى المصاعب في قرارة نفسي بأن أتحمّل مسؤوليّة الخبر الذي أنشره إن كان سبقًا صحفيًّا أو مقالاً تحليليًّا أو مقابلة… فتبقى المسؤوليّة ملقاة على عاتقي بأن أكون صادقًا وأن أنقل الخبر بأمانة، أمّا الكلفة فهي أقلّ بكثير ممّا كانت عليه سابقًا.”
ختم الصّحافي جورج شاهين كلامه مشدّدًا على أنّه مع التحوّل الرّقمي الحاصل، فإنّ النّسخة الالكترونيّة لم تكن بديلاً من الصّحيفة الورقيّة المطبوعة، فالأخيرة ما زالت تصدر، إنّما الإعلام الالكتروني بات بتناول النّاس بنسبة أكبر، دون كلفة تقريبًا ويجب التكيّف مع الوضع للحفاظ على الاستمراريّة.
ماذا عن تحدّيات الصّحافة الإلكترونيّة؟
من الجدير ذكر أنّ الإعلام الجديـد يفرض على وسـائل الإعلام التقليديـة اليوم عددًا من التحديات: فبعد أن تمَّكنت هذه الأخيرة من أن تعمـل في بيئـة مسـتقرة مـن النواحـي المهنية والأخلاقية والقانونيـة، سـاعدها على ذلـك عمـق التجربـة ورسـوخها عبر عقـود عديدة، أصبحت اليوم في منافسة مباشرة مع الإعلام الجديـد الذي يتسـم بالحداثة. لكنه في المقابل يواجه هذا الأخير الكثيرمن الصعوبات في الوصول إلى أطـر أو ضوابـط مهنيـة وأخلاقية وقانونيـة.
إنّ عدم توفّر الأطر اللازمة يثير اليوم عدّة هواجس وقضايا، ويطرح عدة تساؤلات حول حريّة الصّحافة من حيث اعتبار النشر الإلكتروني داعمًا لمبدأ حريّة الإعلام عمومًا، بعيدًا عن المعايير التي يلتزم بها الصّحفي في الصّحافة التقليديّة، إضافة إلى قضايا التزام الصحف الإلكترونية بالمعايير الأخلاقية والمهنية، وإشكاليات عالقة بخصوص النشر عبر الشبكة وبحقوق المؤلف والرقابة على المصنّفات… ينغشّ البعض ويستلذّ بالدّيموقراتيّة التي توفّرها النّسخة الإلكترونيّة ويفوتهم أهميّة وجود وحضور الرّقابة على ما ينشر، والتي هي “شبه غائبة”.
وفي ظل وجود مثل هذه الهواجس، ومع كل هذا التحوّل الرّقمي، فإنّ التّفكير في الأطر، والضّوابط المهنيّة، والأخلاقيّة، والقانونيّة للبيئة الجديدة للصحافة الإلكترونية يتطلب الاستئناس أوّلاً بمثيلاتها في الصحافة التّقليدية، للنّظر في الحقوق المستحقّة والواجبات المفروضة على الصّحفي أثناء أدائه لمهامه، والنّظر ثانيًا في كل الإمكانيات المتاحة لتطبيق القواعد القانونية العامة على وسائل الإعلام الحديثة ومنها الصحافة الالكترونية. ويجب التدخل أيضًا مـن أجل وضع تنظيـم قانـوني يضمـن عـدم التعـدّي على الحقـوق والحريـّات الفرديـّة جراء استخدام تلك الوسـائل.