المواطنة الرقمية واللياقة الرقمية مفهومان برزا مع ثورة الإتصالات الرقمية وما وفرته من تسهيل وسرعة في عمليات التواصل والوصول إلى مصادر المعلومات، ومع ما تحمله هذه الثورة من نتائج ذات آثار إيجابية على الفرد والمجتمع إذا تم استغلال وسائل الإتصال والتقنية الحديثة على الوجه الأمثل، فإن آثارها السلبية تبرز مع التمرد على القواعد الأخلاقية والضوابط القانونية والمبادئ الأساسية التي تنظم شؤون الحياة الإنسانية.
لذا فنحن في أمس الحاجة إلى سياسة وقائية ضد أخطار التكنولوجيا، وتحفيزية للاستفادة المثلى من إيجابياتها. وهو يسمى في دول العالم المتقدم بمفهوم المواطنية واللياقة الرقمية.
المواطنة الرقمية
تعرف المواطنة الرقمية بأنها مجموع القواعد والضوابط والمعايير والأفكار والمبادئ المتبعة في الاستخدام الأمثل والقويم للتكنولوجيا، والتي يحتاجها المواطنون صغارا وكبارا من أجل المساهمة في رقي الوطن. المواطنة الرقمية باختصار هي توجيه نحو منافع التقنيات الحديثة، وحماية من أخطارها.
لا تهدف المواطنة الرقمية إلى نصب الحدود والعراقيل من أجل التحكم والمراقبة، بما يتنافى مع قيم الحرية والعدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان. فالمواطنة الرقمية إنما تهدف إلى إيجاد الطريق الصحيح لتوجيه وحماية جميع المستخدمين خصوصا منهم الأطفال والمراهقين، وذلك بتشجيع السلوكات المرغوبة ومحاربة السلوكات المنبوذة في التعاملات الرقمية، من أجل مواطن رقمي يحب وطنه ويجتهد من أجل تقدمه.
المواطنة الرقمية وميدان التعليم
إن مفهوم المواطنة الرقمية له علاقة قوية بمنظومة التعليم، لأنها الكفيلة بمساعدة المعلمين والتربويين عموما وأولياء الأمور لفهم ما يجب على الطلاب معرفته من أجل استخدام التكنولوجيا بشكل مناسب. والمواطنة الرقمية هي أكثر من مجرد أداة تعليمية، بل هي وسيلة لإعداد الطلاب للإنخراط الكامل في المجتمع والمشاركة الفاعلة في خدمة مصالح الوطن عموما وفي المجال الرقمي خصوصا.
ولا شك أن نشر ثقافة المواطنة الرقمية في البيت بين أفراد الأسرة وفي المدرسة بين صفوف الطلاب أصبح ضرورة ملحة، يجب أن تتحول إلى برامج ومشاريع في مدارسنا وجامعاتنا موازاة مع مبادرات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية، حتى نتمكن فعلا من تعزيز حماية مجتماعتنا من الآثار السلبية المتزايدة للتكنولوجيا مع تعزيز الإستفادة المثلى منها للمساهمة في تنمية مجتمع المعرفة.
المحاور التسعة في المواطنة الرقمية
اقرأ أكثر حول معايير المواطنة الرقمية: مفهوم المواطنة الرقمية
اللياقة الرقمية
لا ترتبط اللياقة بالجسد وقوته ورشاقته ففي عصر الرقمنة بتنا نجد ثقافة تدعى اللياقة الرقمية وهي تتعلق بالمهارة والابداع في مجال التقنيات الحديثة واستخدام برامج التواصل الاجتماعي وبرامج الحاسوب كافة بحرفية. لا سيما وأن هذه الثورة في عالم الرقمنة جاءت دفعة واحدة واضطرت جميع الوسائل الإعلامية وكل ما يتعلق بالنشر والاعلام أن يواكب ويطور ذاته. تكمن اللياقة الرقمية في جعل المستخدم مُلماً رشيداً يدرك عواقب الاستخدام و محاذيره و قوانين البلاد حوله و آلية الوصول لكافة المميزات المتاحة له .حيث يتنقل بتوازن و يضع ملامح أفكاره برشاقة وينشرعناوين الافكار بكل ثقة ومسؤولية.
اذا اللياقة الرقمية هي مجموعة من القواعد والسلوكيات والمعايير التي يتبعها المواطن الرقمي أثناء تواجده على شبكة الانترنت وأثناء استخدامه لأجهزة الكمبيوتر الشخصي وتتناول اللياقة الرقمية مجموعة من الابعاد هي:
- البعد الاجتماعي: وهي تحتوي على مجموعة السلوكيات التي تتمثل في المسؤولية والمشاركة والقدرة على التواصل مع الاخرين بفاعلية واحترام الرأي الاخر والمشاركة في المناسبات الاجتماعية المختلفة.
- البعد الاخلاقي: وهي الالتزام بالقواعد الأخلاقية التي يحتمها المجتمع وعدم الاساءة للآخرين وعدم نشر أي منشورات مسيئة وغير أخلاقية.
- البعد التكنولوجي: هو السلوك الذي يسلكه الفرد أثناء استخدامه للتكنولوجيا وأثناء استخدم البرامج المختلفة واتجاهاته نحو استخدام برامج القرصنة وغيرها ومعرفته بقواعد التصفح عبر المواقع الالكترونية
- البعد الصحي: ويحتوى على مجموعة السلوكيات الصحية التي يمارسها المواطن الرقمي أثناء تواجده على شبكة الانترنت كطريقة الجلوس والاستخدام الصحيح للأجهزة والهواتف المحمولة إضافة الى التشتت الذي قد يؤدي الى اهمال الطعام وتناول الوجبات.
تطبيق لقياس اللياقة الرقمية
في عالمنا العربي، تهتم دولة الامارات بالتطور التكنولوجي وتسعى لرفع مستوى المهارات التقنية لدى موظفي الحكومة الاتحادية، بما يتواكب مع سرعة التغيير التكنولوجي ومن ضمن المساعي أطلقت مبادرة جديدة لقياس مستوى اللياقة الرقمية لموظفي الحكومة، وتقييم قدراتهم ومهارتهم الرقمية والتكنولوجية والاستعداد للعالم الرقمي والتكنولوجي بشكل أفضل.. وذلك عبر تطبيق اللياقة الرقمية الذكي DFA.
يوفر تطبيق DFA إمكانية تقييم اللياقة الرقمية للمستخدمين وفهم قدراتهم الرقمية الحالية، وتطوير هذه القدرات من خلال مسار التعلم المخصص للمحتوى الرقمي القابل للتحديث والنمو، من خلال مساعدتهم على إعادة تقييم قدراتهم الرقمية أسبوعاً بعد أسبوع.
تساعد المواد التعليمية الموظفين على تعزيز معرفتهم في الموضوعات التي تشكل مهاراتهم المعرفية. وخطوات استخدام تطبيق اللياقة الرقمية تبدأ بتحميل التطبيق من أحد المتاجر في الهواتف الذكية، ومن ثم إنشاء حساب وتفعيله، انتهاء بعملية الاختبار والتقييم، ومن ثم يمكن للمستخدم الاطلاع على نتائجه، وتحديد خطة اللياقة التي تناسب احتياجاته، وأخيراً البدء في استخدام التطبيق لتعزيز المهارات المعرفية.
إن دولا متقدمة عديدة مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا تدرس لطلابها في المدارس مواضيع خاصة بالمواطنة الرقمية في إطار منهج التربية الرقمية، كما نجد في نفس الإطار المشروع الذي وضعته أستراليا تحت شعار “الاتصال بثقة: تطوير مستقبل أستراليا الرقمي” والذي ينص على تعميم تدريس المواطنة الرقمية للطلاب مع تدريب الآباء والمعلمين عليها وفق خطة وطنية متكاملة، كما تخطط فرنسا لجعل موضوع المواطنة الرقمية قضية وطنية كبرى فهل نصل ليوم مجعل الرقمنة قضية وطنية كبرى أم أننا سنبقى دائما نتخطى ما يستدعي الرقي بالوطن.
اقرأ على موقعنا: التزييف العميق: مشكلة العالم الافتراضي