الرئيسية / Uncategorized / الذكاء الاصطناعي يهدّد مهنة الإعلام

الذكاء الاصطناعي يهدّد مهنة الإعلام

قبل نحو شهر من اليوم، عُقد “مؤتمر الجزيرة للذكاء الاصطناعي والإعلام”، بحضور نخبة من المتخصصين في الذكاء الاصطناعي والعاملين في مجال الإعلام، وتناول المؤتمر أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا النّوع من الذّكاء في عالم الإعلام وضرورة خلق وعي بهذه التكنولوجيا، والحرص على التزامها بأخلاقيّات العمل الصحفي.

مُذيعة الذكاء الاصطناعي “إبتكار” الّتي ظهرت خلال مؤتمر الجزيرة للذكاء الاصطناعي

خلال المؤتمر، تعرّضت الإعلامية روعة أوجيه الّتي كانت مكلّفة بإدارة الجلسة لموقفٍ غريب، حين قامت مُذيعة الذّكاء الاصطناعي “إبتكار” بمُقاطعة زميلتها البشريّة واتّهامها وباقي البشر بـ “الاعتداء المُستمر على حقوق الآخرين”، كما قامت “إبتكار” بأخذ دور أوجيه حين قامت بتعريف المؤتمر وشرح أهداف كلّ جلسة منه مُستعينة بالروبوت “بيبر” الّذي عرّف نفسه بأنّه روبوت يُجيد التّفاعل مع النّاس، مُبدياً سعادته بمشاركته في مؤتمر الجزيرة.

هذا الحدث كان بمثابة صدمة إيجابيّة وسلبيّةٍ في آنٍ معاً للعاملين في مجال الإعلام في العالم العربي، حيث رأى البعض أنّها خطوة عظيمة ومتقدّمة جدّاً، أمّا البعض الآخر فشعر أنّ مهنته باتت في خطر فعليّ في ظلّ صعود مذيعي الذكاء الاصطناعي والرّوبوتات العاملة في الإعلام، ظهر ذلك جليّاً حين مازحت المذيعة روعة أوجيه خلال المؤتمر المذيعة “إبتكار” بنعتها بـ “بالمذيعة بِطالة”.

هل يمكن للذّكاء الاصطناعي أن يشكّل خطراً فعليّاً على العاملين في مهنة الصّحافة والإعلام؟

مُذيعة ذكاء إصطناعي تُجري أوّل مقابلة مُباشرة على قناة الجزيرة

مفهوم الذكاء الاصطناعي

قبل الغوص في الحديث عن ما إذا كان الذكاء الاصطناعي عامل تطوّرٍ إيجابيّ في عالم المهن عموماً، وفي مهنة الصّحافة على وجه الخصوص، لا بدّ من فهم بسيط ومن المرور سريعاً على تاريخ هذا النّوع من العلوم. يعرّف العالم الأميركي في مجال الحاسوب ومُبتكر مصطلح “الذكاء الاصطناعي” جون مكارثي المصطلح المذكور في ورقة صادرة عام 2007، أنّه “علم وهندسة صنع آلات ذكية وخاصة برامج الكمبيوتر الذكية. وهي مرتبطة بالمهمة المماثلة لاستخدام أجهزة الكمبيوتر لفهم الذكاء البشري”، إذاً الذكاء الاصطناعي هو فرع واسع النطاق لعلوم الكمبيوتر، يهتم ببناء آلات ذكيّة قادرة على أداء المهام الّتي تتطلّب عادةً ذكاءً بشريّاً، كما أنّه علم متعدّد التّخصّصات مع مناهج متعدّدة. ومن تطوير السيارات ذاتية القيادة إلى انتشار المساعدين الأذكياء مثل Siri و Alexa، أصبح الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد جزءًا من الحياة اليومية وتستثمر فيه الشركات في كل صناعة.

بناءً على ما ورد، يتمّ تحقيق الذكاء الاصطناعي من خلال دراسة أنماط الدماغ البشري وتحليل العملية المعرفيّة.

الروبوت شاكي: أول روبوت ذكي ذاتي التصرف في التّاريخ

وابتكر جون مكارثي كما ذكرنا مصطلح “الذكاء الاصطناعي” عام 1956 وعقد أول مؤتمر للذكاء الاصطناعي، وبين عاميّ 1966 و1972، تمّ اختراع أوّل روبوت متحرّك للأغراض العامة ويُدعى “شاكي”، وكان أول روبوت ذكي ذاتي التصرف حيث يعطى تعليمات عامة، مثل “نقل كتلة على الطاولة”. عام 1997، تمّ تصميم الكمبيوتر العملاق “ديب بلو”، وهزم بطل العالم في الشطرنج في مباراة، وكانت علامة فارقة من قبل شركة IBM لإنشاء هذا الكمبيوتر الضخم. أمّا أوّل مكنسة كهربائيّة روبوتيّة ناجحة تجاريّاً، فتمّ إنشاؤها عام 2002، ومنذ عام 2005 وحتّى يومنا هذا ظهرت تقنيّات جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي منها تقنيّة “التعرف على الكلام” (speech recognition)، واستخدام العمليات الآلية (RPA) وظهور روبوتات راقصة، و”منازل ذكية” وابتكارات أخرى تظهر لأول مرة.

الذكاء الاصطناعي في ميزان الإعلام

توفّر أنظمة الذكاء الاصطناعي مزايا عديدة في مهنة الصّحافة والإعلام، منها السرعة في تنفيذ الإجراءات المعقّدة بناءً على كميّات كبيرة من البيانات، دعم الرّوتين الصحفي من خلال التّنبيهات بشأن الأحداث وتوفير مسودات النّصوص لتستكمل بالمعلومات السياقية، كما ساعد الذكاء الاصطناعي على توسيع التغطية الإعلامية إلى المناطق الّتي لم تكن مغطّاة في السابق أو لم تتم تغطيتها جيّداً (نتائج المباريات بين الأندية الرياضية “الصغيرة”، على سبيل المثال). ولعبت هذه الأنظمة دوراً في تحسين التّغطية الإخباريّة، وتقوية روابط وسائل الإعلام بجماهيرها من خلال تزويدهم بسياق شخصي وفقًا لموقعهم أو تفضيلاتهم. لكن، في ظلّ كلّ هذه الميزات الّتي يقدّمها الذكاء الاصطناعي، لماذا يتخوّف البعض منه؟

هناك العديد من المخاطر الّتي علينا التّنبّه منها عند التّعامل مع الذكاء الاصطناعي والتّكنولوجيا الجديدة مثل ChatGpt على سبيل المثال، لعدّة أسباب يذكر منها الخبير في تكنولوجيا المعلومات والإعلام بلال سعادة قدرة هذه النّماذج من الذكاء الاصطناعي على توليد بيانات وهمية والّتي تبدو حقيقيّة وواقعيّة إلى حدٍّ كبير، ويُمكنها أن تضلّل في المجال الإعلامي والثّقافي والعلمي، كما أنّ الخبراء في مجال كشف الصّور أو الفيديوهات المزوّرة والمركّبة غير مدرّبين بحسب سعادة، ومن الصّعب جدّاً عليهم كشف المواد الّتي يتمّ إنتاجها، فلا بدّ بالدّرجة الأولى من العمل على نشر الوعي حول هذه المخاطر. أمّا في المجالين التّعليمي والأكاديمي، فيؤكّد سعادة أنّ هذه التقنيّات تلعب دوراً في توليد مقالات ونصوص قد تبدو احترافيّة إلى حدٍّ كبير، ولا يمكن التّحقّق من الكاتب الحقيقي لهذا النّص، ويمكن لبعض الطلّاب أن ينسبوها إلى أنفُسهم الأمر الّذي يهدّد جودة التّعليم، وبالتّالي علينا مراجعة أساليب تقييم الطلّاب وخاصّة إذا ما تعلّق الأمر بمهارات الكتابة وإعداد الأبحاث. كما أدّى تزايد انتشار الأنظمة الخوارزمية والذكاء الاصطناعي في إنتاج الأخبار إلى إثارة مخاوف بشأن قدرة الصحفيّين على فهمها والتّعامل معها بطرق لا تضرّ بالمعايير والقيم الصحفية، فقضية “الوضوح” قضيّة حادة بشكل خاص لوسائل الإعلام العامة بسبب المخاطر التي تشكلها مثل هذه الأنظمة المعقدة والمبهمة لتعطيل المساءلة وصنع القرار والحكم المهني.

الذكاء الاصطناعي ومستقبل الإعلام

تُشير دراسة صادرة عن المعهد السويدي لتقييم سوق العمل وسياسة التّعليم إلى أنّ عشرات المهن ستختفي قريباً، وستبرز الحاجة إلى مهن أخرى، وفقا لمتطلبات سوق العمل، وأنّه سيكون للتّطوّر التّكنولوجي القدرة على القيام بدور البشر. هذه المُعطيات باتت اليوم تسبّب ذعراً كبيراً للعاملين في مختلف المجالات الّتي أصبح الذكاء الاصطناعيّ جزءً أساسيّاً من استمرارها، خوفاً من أن تطغى هذه التّقنيّات بالمُطلق على تلك المجالات. في هذا السّياق تؤكّد الصحافية والمنفّذة نور الموسوي، أنّ الذكاء الاصطناعي سيكون كفيلاً في السّنوات المُقبلة بتقليص دور العاملين في بعض المهن وخضوصاً تلك الّتي تحتاج إلى عمليّات رتيبة ومكرّرة مثل الدّعم الفنّي أو الرّد على الهواتف أو تلخيص البيانات وعرضها، إلّا أنّها تستبعد أن تستطيع هذه التقنيّات المتطورة القضاء على مهنة الإعلام والصّحافة على الرّغم من السّرعة الّتي تتقدّم فيها مجالات الذكاء الصّناعي، فالذكاء الاصطناعي بحسب الموسوي: “يحتاج أيضًا إلى الذكاء العاطفي، وهو اختلاف مهم بين البشر والآلات، وهذه ميزة مهمّة يحتاج إليها العالملون في الوظائف الإعلاميّة لأنه يسمح للإعلاميّ أو للمقدّم بالتّواصل مع جمهوره على مستوى أعمق.”

وتؤكّد الموسوي في معرض حديثها عن قدرة استبدال عمل الصّحفيّين بتطبيقات ومشاريع تكنولوجية متطورة، أنّ “تطبيقات ما يُعرف بالذكاء الصّناعي ليست ذكيّة بالمُطلق”، وتضرب المثل في هذا السّياق بـ ChatGpt الّذي أظهر في عدّة نماذج فشله وتفاوت المعلومات فيه مُشيرةً إلى أنّه حتّى في سياق إجراء بحثٍ علميّ عن موضوعٍ معيّن لا يجوز الإعتماد على نماذج كهذه لكثرة المعلومات المغلوطة فيها.

ختاماً، يجدر الاشارة إضافة إلى كل ما أوردناه في الأعلى من إيجابيّات للذّكاء الاصطناعي، إلى أنّ هذه التقنيات المتطورة لها دور كبير أيضاً في تسهيل عمليّات الانتاج الاعلامي، لذلك من غير المنطقي فصل هذه التقنيّات عن المجال الإعلامي، ولكن على الرّغم من ذلك يجدر الحفاظ على مهنة الإعلام والصّحافة ومكانتها الرّوحيّة والمهنيّة بين العاملين فيها وبين الجمهور.

عن jadhamouch

x

‎قد يُعجبك أيضاً

معرض “إيديوتيك 2023”: عروض نهارا في الذكاء الاصطناعي وندوة مسائية عنه

إفتتحت “الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية”، مؤتمر ومعرض EduTech 2023، في مقرها، وفي حضور وزير التربية ...