الرئيسية / ملفات / الكوميديا في لبنان: مُزحة لا بد منها!
صورة لجمهور يضحك

الكوميديا في لبنان: مُزحة لا بد منها!

في زمنٍ يغيب فيه الأمل عن قلوب اللبنانيين والابتسامة عن وجوههم، تسعى الكوميديا الى إعلاء صوت الضحك فوق صوت اليأس، والى زرع المعرفة بدلاً من الجهل. فما هي أهميتها وكيف تؤثر على المواطنين؟ وما هو دورها في تحقيق التغيير المنشود ونشر الوعي بين الجمهور؟

في الواقع، كوميديا حجزت مكاناً كبيراً لها في الكيان اللبناني منذ زمن بعيد، فهي رافقت اللبنانيين في أيام الحروب كما أيام الرخاء، وكان لها حضور ذهبي على كافة المنابر الإعلامية. فمن لم يسمع مثلاً بـ”أبو سليم” و”أبو ملحم” اللذين أدخلا الفرح الى كل بيت؟ ومن لم يضحك مع “المعلمة والاستاذ” أو يكرر “نهفات” شوشو ونكات “فيلم أميركي طويل” ؟

هذا النوع من الفن يعتبر إذاً جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة اللبنانية المشتركة التي تمتد من الماضي وصولاً الى الحاضر. ففي أيامنا هذه، توسّع حضور الكوميديا نحو المنصات الرقمية مواكبةً للتطور والتكنولوجيا، فقد أصبحت على شكل نكات عبر الواتساب، أو “ستاند أب كوميدي” في المقاهي، أو مقاطع فيديو على تيك توك وانستغرام ويوتيوب، أو حتى برامج تلفزيونية تراعي التحولات الرقمية وتفضيلات الجمهور.

عروض الكوميديا على المسارح
صورة من صفحة awk.word على فيسبوك

الكوميديا: أكثر من مجرد “نكتة”!

الكوميديا هي كلمة أغريقية الأصل (komos، aeido) تعني الغناء والمرح الصاخب، وقد تطورت كفن عبر التاريخ حتى أصبحت اليوم على علاقة مباشرة بالشأن السياسي والاجتماعي للشعوب.

وحول هذا الموضوع، توضح خبيرة علم الإجتماع الدكتورة وديعة الأميوني في حديث لموقع “المراقب” أن الكوميديا هي نوع من تعويض عن واقع معين يلجأ إليه الانسان او الفنان في المجتمعات المعاصرة. وأشارت الى أن “التلاعب اللفظي والدُعابات المستخدمة في الكوميديا تهدف الى تمرير فكرة معينة من أجل النقد ولفت النظر على الواقع المرير والمعانات التي يعيشها الناس، وبالتالي حث المواطنين على تحقيق التغيير على الصعيد الاجتماعي والسياسي وغيره.”

وتشدد الأميوني على أن “الكوميديا تلعب دورا كبير في تثقيف الجمهور وتوعيته حول القضايا الاساسية التي يعيشها بشكل يومي وبالتالي تكون بمثابة منبه يدفعه الى التيقّظ والقيام بمبادرة لتحسين وتطوير مجتمعه”. كما تلفت الى أن الكوميديا “تتضمن الكثير من التناقضات فهي ضحك وجدية، فكاهة ونقد، استمتاع وتفكير، وهذا ما يجعلها تكوّن أسلوباً أكثر سلاسة وجاذبية لمخاطبة الناس وبالتالي التأثير فيهم”.

وعن ارتباط الكوميديا بطبيعة المجتمع، تؤكد الأميوني أن “عدم تقبل الكوميديا هو دليل على تراجع المستوى الفكري والتعليمي للمجتمع والعكس صحيح”، مشيرةً الى أن “مدى تقبل الكوميديا يختلف من مجتمع الى آخر وهذا الأمر يرتبط مباشرة بدرجة الوعي ذات الصلة بالمستويات التعليمية والثقافية السائدة في المجتمع أي إذا كانت متطورة او متخلّفة”.

وتطرقت خبيرة الاجتماع الى العلاقة بين الكوميديا والنظام السياسي، قائلة: “في النظام الديمقراطي يحق للفرد ان يعبّر بحرية ويحق أيضاً للمتلقي ان ينتقد ويتابع بحرية، أما في الانظمة الديكتاتورية فلا نرى كوميديا ولا سخرية، ولا أحد يجرؤ على بلوغ هذا المستوى من التعبير في العلن لأنه قد يعرّض نفسه الى المساءلة والعقاب.”

نحن في وادٍ والغرب في وادٍ!

غالباً ما تترافق الأعمال الكوميدية المحلية مع حملات اعتراضية وتعليقات رافضة، والأمثلة اللبنانية كثيرة، ولعل آخرها كان الجدل الذي أثاره برنامج “تعا قلو بيزعل” الذي يعرض على شاشة الـLBCI، بسبب استخدامه لـ”اللجهة الشيعية” كمادة للضحك في أحد “سكيتشاته”، فلماذا تحدث كهذا ضجة بسبب عمل كوميدي؟

هذا السؤال أجابت عنه الدكتورة الأميوني بالقول إن لبنان “ما زال يعيش الطائفية على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والثقافية والتعليمية، لذا يبقى هذا الموضوع تابو وبالتالي إذا تم وضع لهجة الطائفة الشيعية في قالب كوميدي من الممكن أن لا يتقبلها البعض”.

وترفض المقارنة ما بين الكوميدين اللبنانيين من أبناء طائفة معينة أمثال حسين قاووق ومحمد الدايخ من جهة، وبين الكوميديين الأميركيين من ذوي البشرة السمراء الذين يطلقون النكات على أبناء عرقهم من جهة أخرى، وتقول الأميوني: ذوو البشرة السمراء تخطوا مسألة العنصرية وباتوا مرتاحين أكثر، لذلك يطلقون النكات على أنفسهم ويضحكون، أما في لبنان فما زلنا نعيش وسط شحن طائفي.

كوميدي أميركي من ذوي البشرة السمراء في ستاند اب كوميدي

لذلك تشير الأميوني الى أن الكوميديا تختلف تماماً بين مجتمعاتنا الشرق أوسطية وتلك في الغرب، “لأن الغرب لا يعيش حالات التشرذم الذي نعيشه ولا يعاني من الفساد الذي نعانيه”، بحسب قولها.

خطوط حُمر يجب احترامها!

مع تطوّر عصر التكنولوجيا ووسائل البث عبر منصات التواصل، نجح بعض صنّاع الترفيه في تجازو “حرّاس البوابة” التقليديين وبالتالي إنجاز أعمال ساخرة لا تراعي أدبيات العمل الكوميدي.

وهنا تؤكد الدكتورة وديعة الأميوني أن الكوميديا يجب أن لا تتخطى الحدود الحمراء، فهي ليست نوعا من التجريح وإنما سخرية لتوصيل فكرة معينة. وقالت لـ”المراقب”: على الكوميديا أن تبتعد عن الحروب الكلامية وأن لا تفتح المجال لحدوثها، فهناك فرق صغير بين السخرية وبين الابتذال.

عصر ذهبي!

رغم الجلبة التي تثيرها الكوميديا في بعض الحالات، إلا أنها قد تكون ​​في خضم أحدث عصر ذهبي لها لجهة تأثيرها على الجمهور والتجارب التي تخضع لها، هذا ما ذكره كتاب ” Comedian and An Activist Walk Into a Bar: The Serious Role of Comedy in Social Justice”. وبحسب الكتاب المذكور الذي يصدر عن دار نشر جامعة كاليفورنيا فإن فرصة مشاهدة الكوميديا ​​ومشاركتها باتت أكثر إتاحة عن السابق لا سيما في ظل العصر الرقمي الذي لا يزال يتطور، أي أن الكوميديا باتت في متناول يد الجميع أكثر من أي وقت مضى، مع كل ما يحمله ذلك من إمكانية زيادة الوعي لدى الشعوب.

ويذكر الكتاب أن الأخبار الساخرة، التي تحظى بمشاهدات عالية ومشاركات واسعة، باتت اليوم مصدراً يعتمد عليه لتوثيق الحقائق السياسية والمدنية. كما أن برامج الـdaily show باتت تنافس البرامج الإخبارية التقليدية، باعتبارها وسيلة فعالة لاستقاء المعلومات، وليس للترفيه فقط. فهل تكون الكوميديا في لبنان بمثابة خشبة الخلاص؟ وهل تنجح “مزحة” حيث فشلت الحقيقة، فيتحرك الشارع اللبناني بالاتجاه الصحيح ويحقق التغيير المنتظر؟

لقراءة المزيد من الأخبار، إضغط هنا

عن يارا بو فخر الدين