فاطمة فضل الله
دخل أدهم إلى غرفته بعدما تناول وجبة الغداء مع عائلته لتتبعه شقيقته بعد فترة قصيرة فتجده مفارقاً للحياة إثر مشاركته في “تحدي التّعتيم” الذي اشتهر على تيك توك في الآونة الأخيرة. يعيش أدهم -الشاب المصري الذي لم يتجاوز الـ 18 من عمره- مع عائلته حياة رغدة بعيداً عن أي اضطرابات نفسية، وهو من الناشطين على تيك توك، الأمر الذي دفعه للمشاركة في التحدي كنوع من التّسلية دون ان يعلم انه سيسلبه ما تبقى من حياته. لم يكن أدهم الضحية الوحيدة لـ تحديات تيك توك في مصر فقد سبقه صديقاه في خوض التجربة التي ألقت بهما في المصير نفسه.
تطبيق تيك توك، هو من أكثر مواقع التّواصل الإجتماعي شعبية والذي تساوي شعبيته مدى إثارته للجدل. يقوم التطبيق على مشاركة مقاطع فيديو قصيرة مع السماح بإضافة الفلاتر والتأثيرات والموسيقى عليه ويستخدمه أكثر من 2 مليار مستخدم عالمياً. وبالرغم من شهرة هذا التطبيق وأعداد مستخدميه الناشطين الخيالية، إلا أنه يعتبر من أخطر التطبيقات وأكثرها ضرراً خصوصاً أن 60% من مستخدميه تتراوح أعمارهم بين الـ 16 و 24 عاماً، حيث تنتشر فيه تحديات خطيرة.
لا تقتصر مساوئ تيك توك على أنه يشجع على بناء محتوى فارغ بهدف التسلية، بل تجاوز ذلك حتى بات سبباً في إنهاء حياة مستخدميه وتحديداً من يصنفون في فئة الأطفال والمراهقين من خلال تحديات خطرة انتشرت على هذا التطبيق كتحدي التعتيم الذي ذكرناه سابقاً. وهنا يجدر بنا السّؤال عن دور الأهل في حماية أطفالهم من المخاطر المحدقة بهم على مواقع التّواصل الإجتماعي وتحديداً من تحديات تيك توك .
ما هو تحدي التعتيم؟
يبدأ تحدي التعتيم المنتشر على تيك توك بتسجيل الشّخص لبياناته، ليقوم بعدها بخوض لعبة نهايتها موت محقق. تبدأ اللعبة بعد أن يقوم اللاعب بالجلوس في مكان مظلم ثم يكتم أنفاسه عبر ربط وشاحٍ على رقبته، ويبقى كذلك إلى أن ينقطع عنه الأوكسجين ويفقد وعيه، كل هذا وهو يقوم بتصوير هذه اللّحظات.
يستهدف التّحدي المميت مستخدمي تيك توك الذين يعيشون اكتئاباً أو اضطرابات نفسية، ويقوم على إيهامهم أنها تجربة جميلة ومفيدة، يشعر خلالها الشّخص بمشاعر متفردة تخرجه من الحالة المتأزمة التي يعيشها وتنتهي بجعله سعيداً. ورغم أن بعض المشاركين خرجوا من التحدي سالمين إلا أن نهاية آخرين كانت مأساوية كأدهم وصديقاه.
وقد انتشر التحدي بعد أن قامت ناشطة إيطالية على التطبيق إلى إنتاج فيديو لتحدي التّعتيم بمساعدة صديق لها، زاعمة أن التحدي يساهم في تحقيق السّلام الدّاخلي والوصول إلى السّعادة. هذا الأمر دفع المراهقين والشّبان إلى محاولة تقليد هذه المرأة التي يتابعها آلاف المستخدمين على تيك توك.
ولم تكن حادثة وفاة الشبان الثلاثة المصريين الحادثة الوحيدة التي لاقت رواجاً، إذ توفي العديد من الأطفال في ايطاليا مطلع السنة الحالية من بينهم الطفلة الإيطالية أنتونيلا المقيمة في باليرمو التابعة لمقاطعة صقلية جنوب إيطاليا. وقد توفيت الطفلة البالغة من العمر 10 أعوام اختناقاً بعد مشاركتها في التحدي على تطبيق تيك توك.
تحديات تيك توك: خطر مستمر منذ سنوات
تحدي التعتيم ليس التحدي الأول الذي يشتهر على تيك توك مؤدياً إلى نتائج كارثية، فقد انتشر منذ سنة تقريباً تحدي يسمى بتحدي “كسر الجمجمة” يتضمن ركل شخصين لأقدام شخص ثالث أثناء قفزه حتى يسقط أرضاً وقد تسبب هذا التحدي بعدة إصابات.
كثيرٌ من تحديات تيك توك الخطيرة انتشرت قبل ذلك، منها تحدي “بينادريل” الذي يشجع تناول كميات زائدة من الدواء، وتحدي فرقعة فروة الرأس عبر شدّ جزء منه إلى أعلى الذي أفقد بعض المشاركين فيه فقدان جزء من شعرهم، وتحدي القطع النقديةالذي يقضي بتوصيل الشاحن جزئياً في المقبس وإسقاط قطعة نقدية واحدة في الفجوة لتحدث شرارة كهربائية فور ملامسة القطعة الكهربائية للشاحن مما قد يؤدي إلى حريق، وتحدي برد الأسنان بمبرد الأظافر ولا ننسى طبعاً تحدي “كيكي” الذي اشتهر منذ سنتين تقريباً وغيرها الكثير من التحديات الخطيرة التي قد يسبب كارثة حقيقية.
المراهقون وتحديات تيك توك الخطيرة: أمر طبيعي أم اضطرابات نفسية؟
عادة يكون ضحايا تحديات تيك توك من المراهقين والأطفال، والسبب يعود إلى أنهم الفئة الأكثر انجذاباً لها ربما لأنهم يسعون دائماً لخوض تجارب جديدة والإستكشاف كنوع من الإثارة.
ولا يعود السبب الأساسي لمشاركتهم في تحديات تيك توك المميتة إلى اضطرابات نفسية أو اكتئاب بالضرورة بل على الأغلب يعود إلى نقص في العاطفة من قبل الأهل يعاني منه المراهق أو الطفل، ولكن هذه المشاعر قد تكون سبباً بإضطراب نفسي في المستقبل . وبحسب الإختصاصية في علم النفس الإجتماعي رجاء الدّرويش فإن المراهق “يلجأ عادة إلى تمضية وقته على وسائل التواصل ومنها تيك توك ليعوّض النقص العاطفي لديه عبر بناء عالم خاص به يعتقد من خلاله أنه يمتلك عالماً متكاملاً يتماهى معه ومع الوقت من الممكن أن يولّد اضطرابات نفسية”.
وتعتبر الدّرويش أن تحديات تيك توك تستهدف المراهقين بإعتبارهم فريسة سهلة لها إذ ” يعاني المراهق عادة من التشتت النفسي في هذا ا لعمر، ولأنه لم يحّصل بناءً قوياً لشخصيته تثبت وجوده يتعلق بكل ما يراه أمام عينه على الإنترنت. ويعد تيك توك جذاباً لهذه الفئة إذ يتماهى المراهق مع هذا النوع من التطبيقات، لتصبح جزءاً لا يتجزأ منه فيرتاح لها نفسياً لتسيطر بالتالي على عقله”.
وتستدرج هذه التّطبيقات الأطفال والمراهقين من خلال التأثيرات والمغريات الموجودة عليها، فبحسب الأخصائية النفسية الإجتماعية “تعتمد هذه التّطبيقات ومنها تيك توك على أساليب ترغّب الطفل أو المراهق تجعله يسرع إلى التفاعل عليها وتطبيق تحدياتها مهما كانت ليشعر بالسعادة ويثبت وجوده وينسى النّقص العاطفي الذي يعاني منه.”
هنا يبرز دور الأهل في تعزيز شعور الأمان والعاطفة لدى أبنائهم من خلال بناء ثقة بينهما، إذ تؤكد الدّرويش أنه “من الضروري جداً أن يشعر الطفل بثقة أهله في كل فعل يقوم به، إذ أن الثّقة هي مفتاح الصّراحة بين الطّفل وأهله لكي يجنبوه اللّجوء إلى مواقع التّواصل لتحصيل ثقة الناشطين عليه ولفت النظر إليه عبرها.”
دور الأهل في حماية أبنائهم من مخاطر تيك توك
عندما نتحدث عن أي من التطبيقات الموجودة على الهاتف اليوم ومنها تطبيق تيك توك نرى أن المراهقين والأطفال يميلون لإستكشافها والتعرف على أشياء وتجارب جديدة من خلالها وهو ما يبرر ربما مشاركتهم في تحديات خطيرة كتلك المنتشرة على تيك توك بإندفاع ودون التفكير في العواقب.
ولكن تؤكد الدكتورة في علم النفس التربوي أماني سبيتي أن “ليس جميع المراهقين يندفعون وراء تحديات تيك توك، إذ أن ذلك يتعلق بكيفية تعامل الأهل مع المراهق خلال مرحلة الطفولة”. وتضيف:” أساس الموضوع هو في كيفية تعامل الأهل مع أبنائهم، فلا تكمن المشكلة في الأطفال والمراهقين المشاركين في تحديات كهذه بل في الأسر التي ينتج عنها هذه النماذج في المجتمع، فمثلاً نجد أن بعد الأهالي ينغمسون في تيك توك ويرشدون أطفالهم لهذه التطبيقات رغم أنها لا تعود عليهم بأي فائدة تربوية وبالتالي فإن الخلل بيدأ أولاً من الأهل من خلال كيفية تعاملهم مع هذه الوسائل والتطبيقات.”
ومع انتشار تحديات تيك توك الخطيرة والتي باتت تسلب المستخدمين حياتهم لا سيما الأطفال والمراهقين، وجب على الأهل اتخاذ إجراءات لحماية أطفالهم. في هذا الصّدد، تؤكد سيتي على ضرورة أن يكون هناك ” توجيه في مرحلة الطفولة بطريقة صحيحة وذلك عبر إبعاد الطفل عن عالم تيك توك وغيره من التّطبيقات المؤذية”.
أما فيما يخص مرحلة المراهقة تضيف:” عندما يكبر الأطفال ويصبحون في مواجهة هذا العالم هنا يجب على الأهل توعية أطفالهم ومناقشتهم حول ما يجب فعله أو تجنبه وحذرت من فرض القرارات على الأبناء إذ أن فرض قرارت تمنعهم من فعل شيء معين دون إخبارهم السبب خطأ كبير يؤدي إلى نتائج سيئة، وبالتالي يجب مناقشتهم حول هذا العالم وكيفية التعامل معه والحدود التي لا يجب تخطيها فيه وماهي البرامج والسّلوكيات التي يجب الإبتعاد عنها ومناقشتهم حول تأثيراتها الإيجابية والسلبية.”
وختمت سبيتي أن “هذه العملية التي يقوم بها الأهل مع أبنائهم بدءاً من مرحلة الطّفولة حتى مرحلة المراهقة تساهم في تخطينا للمشاكل التي تحدث مع هذا الجيل بسبب تيك توك وتطبيقات التوصل الأخرى. وإذا لاحظنا جيداً نجد أن هذا النوع من المشاكل يحدث في البيوت التي لا يقوم الأهل فيها بدورهم التربوي أو يهملون أبنائهم أو في الأصل هم منغمسين في هذا العالم مما ينتج عن أطفال ينغمسون في هذا العالم أيضاً”.
اقرأ أيضاً
http://almourakeb.net/لايف-تيك-توك-واحد-كفيل-لجنيك-المال/