الرئيسية / سلامة رقمية / صحافة المواطن… عملية تشاركية أم تنافسية؟
صحافة المواطن

صحافة المواطن… عملية تشاركية أم تنافسية؟

رفيدة عطايا

أتاحت التقنيات الالكترونية فرصة كبيرة وذهبية لأي شخص أن يكون شريكاً في مجال الاعلام، من خلال تفاعــل الشــخص العــادي مــع الحــدث وتوثيقــة إمــا كتابيًــا أو التصــوير بالفيــديو، ونشــره علــى مواقــع التواصــل الاجتماعي “فــيس بــوك، وتــويتر، ويوتيــوب، وغيرهــا”، أو إرســاله لوســائل الإعــلام المرئيــة أو المســموعة أو المقــروءة لنشــره أمــام العامة. حيث أثرت صحافة المواطن بشكل كبير خـلال الأعـوام الماضـية علـى تكـوين الـرأي العـام وتشـكيل اتجاهاتـه، وباتـت شـبكات التلفـزة والمواقـع الالكترونيـة تعتمـد علـى صحافة المواطن بصـورة تـزداد أهميـة، مـع سـرعة تطـور التكنولوجيـا التـي وفـرت تلـك الوسـائط الحديثة والمتطورة باستمرار.

مميزات صحافة المواطن

صحافة المواطن

أحـدثت صـحافة المـواطن نوعـا كبيـرا مـن التغيـير فـي الصـحافة التقليديـة، وذلك بسبب سرعة توثيقها ونقلها للحدث، وقد تجلى ذلك في الكثير من الأحداث التي حصلت في مختلف بلدان العالم وآخرها انفجار مرفأ بيروت المؤسف، فقد كان أول من نشر عن الانفجار هو المواطن الصحفي الذي كان متواجداً قرب مكان الانفجار، وسارع لنشر الصور ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي استخدمتها المواقع الاخبارية والقنوات الاعلامية، وأُعدت التقارير بناءا على ما جمعه الاعلام التقليدي من مواد المواطن الصحفي. أيضاً برز دورها أثناء الثورة في لبنان، وآخرها عندما قام بعض الثوار في مدينة صيدا باقتحام تعاونية “سبينس” وتصوير بعض المنتجات المدعومة من الدولة والتي تبيعها “سبينس” بأسعار مرتفعة والذين سارعوا بنشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي. هنا نرى انخراط المواطن الصحفي بعملية المراقبة التي هي من صفات الصحافي في الاعلام التقليدي. 

  أيضاً تتميز صحافة المواطن بامكانية نشـر ما يمكن أن تخفيه بعض القنوات الإعلامية الموالية للحكومة أو لأشخاص معينة وهو ما يعرف بالتعتيم الاعلامي، حيث يستطيع غالبية الأشخاص نقل معلومات عما يدور حولهم بسهولة وسرعة قد تتزامن مع الحدث نفسه. ومن المعروف أن الاعلام التقليدي يقوم بنشر الاخبار التي تتماشى مع سياسة القناة، وبناءا عليه فإنها تنشر المواد التي تراها مناسبة وتتلائم مع سياستها، وتمتنع عن نشر ما قد يتعارض معها. ولكن مع ولادة المواطن الصحفي، أصبح بإمكان أي شخص نشر المواضيع التي يريدها دون وجود قيود تمنعه من ذلك، والاضاءة على قضايا مختلفة. فمثلاً، خلال الحرب السورية كانت القنوات الاعلامية تسلط الضوء على انجازات الجيش السوري وعملياته العسكرية وتصوره للعالم على أنه الجانب المحق وذلك يعود لتبعية الاعلام التقليدي للدولة. ولكن جاء المعارضون بمواد قاموا بتصويرها ونشرها ليعرضوا الحرب من جانبهم ووجهة نظرهم، وقاموا بتصوير ما لم تقوم القنوات التابعة للدولة بتصويره.

من المهم معرفته أن صـحافة المـواطن ليسـت إعلامـاً بـديلاً يغنـي عـن الوسـائل التقليديـة أو منافســاً لهــا، وإنمــا هــي أداة مكملــة للإعــلام التقليــدي، حيث تسارعت وسائل الاعلام التقليدية بتخصيص قسم خاص لصحافة المواطن كي تبقى في صلب الأحداث وتواكب الخبر فور حدوثه.

سلبيات صحافة المواطن 

يمكن لصحافة المواطن أن تكذب أيضا كما هو الحال في الصـحافة التقليدية، لأن كــل شــخص يســعى إلــى توجيــه الخبــر بالاتجــاه الــذي يريــده، ويمكــن أن يــدخل ويكتب ما يريد. فبقـدر مــا ســاهم المواطن الصحفي فــي إظهــار وإيصــال وقــائع وأحــداث للــرأي العــام مــا كــان للصــحافة التقليدية أن تقدمها، فإنها من ناحية أخرى قد يتم توظيفها أيضـاً لتحريـف الوقـائع وتأجيج مشاعر الرأي العام لحساب جهات معينـة.

إن أسـاس الإعـلام التقليدي هـو الاعتمـاد على مصادر مختلفة للتحقق من صحة الحدث قبل نشره، ولكــن يبقــى الســؤال الــذي يطــرح نفســه هــو مــا مــدى مصــداقية مــا ينشــر علــى صفحات الإنترنت؟ يقع المواطنون في فخ الأخبار الكاذبة التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي ويسارعون في مشاركتها عبر صفحاتهم الشخصية، ولكن سرعان ما يتم التأكد من مصداقيتها ويتبين أنها مفبركة ولا صحة لها من الأساس. يحصل ذلك كثيرا أثناء الحروب، حيث يتم تداول فيديو قديم حصل في بلد آخر على أنه يحصل الآن خلال الحرب الموجودة، فخلال الحرب السورية، تم تبني مقاطع فيديو حصلت خلال العدوان الاسرائيلي على غزة في العام 2006 ونسبها للحرب السورية.

لمهنة الصحافة معايير أخلاقية يجب الالتزام بها وهي تدرّس في الجامعات لأهميتها الكبيرة، ولكن هذه المبادىء مفقودة عند بعض المواطنين الصحفيين وقد يحصل إنتهاكات لأخلاقيات الاعلام، وهذا ما نشهده كثيرا من خلال نشر صور للأطفال دون مراعاة مشاعرهم، أو عرض مقاطع فيديو تحتوي على مقاطع عنف.

إن خطـر صـحافة المـواطن يكمـن فـي خلـق نمـوذج إعلامـي لا يهـتم بالمعـايير الإعلاميـة، وهـو مـا يفـتح المجـال لتســويق أفكــار ومعلومــات ومعــارف لا تنتمــي إلــى الحقيقــة والواقــع، ولا يكترث المتلقي فيها بالمصداقية. حيث يفتقر المواطن الصحفي لمهارات الصحفي المتعددة، وتكون معلوماته محدودة عكس الصحفي المتدرب والمُؤهل علميا وإعلاميا.

منصة “كامبجي” تعتمد على صحافة المواطن

نظرا لأهمية صحافة المواطن في المجال الاعلامي، قام موقع “كامبجي” بالاعتماد على المواطن الصحفي في عمله الاعلامي، فمنصة كامبجي تُعنى وتروي قصص اللاجئين في لبنان من حيث أحلامهم، نجاحاتهم والتحديات التي تواجههم، ونشأت من أشخاص من داخل المخيمات الفلسطينية والسورية. حيث يسعى الشباب الفلسطيني في مخيمات لبنان لاستخدام الإعلام الرقمي من أجل تسليط الضوء على التجارب الإيجابية داخل المخيمات الفلسطينية، فكانت منصة “كامبجي” المستوحاة من الكلمة الإنجليزية “Camp” أي المخيم) التي جاءت لتلون الفكرة السوداوية المأخوذة عن المخيم الفلسطيني بحسب القائمين عليها)، فمن خلال هذا المشروع، أصبح للمخيم صوت ومنبر على مواقع التواصل الاجتماعي يعبر عن ذاته وأفكاره وأخباره. فلم يكن شرطا لديها ان يكون اعضائها خريجي اعلام او متخصصين بالمجال، بل كان أحد اهداف المنصة استهداف أناس مواطنين ملمين بمحيطهم لينقلوا صورتهم وأخبارهم بلسانهم.

ففي حوار للمراقب قالت احدى مراسلات “كامبجي” فاطمة عبد الجواد أن “كامبجي” أصبحت اليوم، مشروع من مشاريع مركز المعلومات العربي للفنون الشعبية او الجنى، بدعم من DW akademie و GIZالتي انطلقت ضمن اطار صحافة المواطن، ولكن اليوم “كامبجي” تعمل بشكل احترافي واكثر مهنية، فاعتمادها على المواطن الصحفي أصبح بعد تدريبات مكثفة خوّلت الأشخاص اكتساب مهارات عديدة في هذا المجال، حيث يتم تدريبهم وتطوير مهاراتهم، وكل هذا ضمن مفهوم Learn from action او التعلم من خلال الممارسة، ليصبحوا قادرين على انتاج قصص بطريقة مهنية واحترافية ضمن قوالب صحفية عديدة.

وأضافت عبد الجواد عن مثال حصل معها:” أعددت تقرير مع زميلي في المنصة، وهو كان تغطية لحدث، علمنا به من خلال السوشال ميديا، يعني صحافة المواطن نفسها هي التي عرفتنا عن الحريق الذي حصل بمجمع للاجئين السوريين بمنطقة العاقبية جنوب صيدا، وكوننا انا وزميلي أحمد كنا أقرب شخصين (جغرافيا) من مكان الحادث، توجهنا مباشرة للمكان بعد ما رأينا الحريق. يحصل هذا الأمر كثيرا وليست المرة الأولى التي تعتمد فيه وسائل الاعلام التقليدية على المواد التي ينشرها مواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي. وهنا يمكننا القول ان العملية هي عملية تشاركية وليست تنافسية، فصحافة المواطن لم تحاول إلغاء الاعلام التقليدي، ولكن احيانا تمدّه ببعض المواد والمعلومات المهمة.

عن رفيدة عطايا

رفيدة عطايا، 22 سنة، حائزة على شهادة في الصحافة من الجامعة اللبنانية، وطالبة ماجستير سنة ثانية في الاعلام الرقمي.
x

‎قد يُعجبك أيضاً

الأمن السيبراني يعتبر من أهم المواضيع التي تشغل الأفراد والشركات، الحكومات والدول

الأمن السيبراني – كيف يخلق المتسللون فرصًا للمتخصصين

الأمن السيبراني هو ممارسة حماية أجهزة الكمبيوتر والشبكات وتطبيقات البرامج