فاطمة فضل الله
ما إن تستيقظ ميرنا في الصباح الباكر، حتى تحضر فنجان قهوتها لتستهل نهارها بالإستماع إلى ما يبث عبر الراديو إذ تعتبر أن الإذاعة رفيقتها اليومية التي لا يمكن أن تستغني عنها.
تجد ميرنا أن تميز الإذاعة سببه محاكاتها لمختلف اهتمامات الناس من خلال “البرامج المتنوعة والقيّمة والأخبار المفيدة التي تقدمها، ولأنها تنقل كل الأمور بمصداقية وشفافية،حتى برامجها الترفيهية بقمة الإفادة على عكس ما يقدم اليوم على التلفاز “.
وتضيف قائلة “عندما أكون وحدي في المنزل، حقاً لا أشعر بالوحدة لأن الإذاعة إلى جانبي ومن دونها أشعر بغربة مؤلمة، وإن تفاعلها معنا والأسئلة التي تعرض لتحفيزنا على المشاركة في برامجها تشغل عقلنا وفكرنا وبالتالي تخلصنا من والملل وأنا شخصياً اعتبرها تمريناً للذكاء”. على العكس، اعتبرت سارة، وهي طالبة جامعية في سنتها الأخيرة أن الإذاعة في الوقت الحالي باتت “بديلاً يتم اللجوء إليه إذا لم تتوافر الفرصة للوصول إلى مواقع التواصل الإجتماعي أو التلفاز”.
بعد أكثر من مئة عام تقريباً على انطلاق البث الإذاعي في عشرينيات القرن الماضي، ما زال المذياع يحتفظ بقيمته وأهميته لدى الكثير من النّاس. فالوسيلة التي تعرف بـ صوت الشّعب ما زالت تحتفظ بصفتها هذه. لكن في المقابل يعتقد البعض بأن التطور التكنولوجي أوجد بدائل للراديو مما خفف من الحاجة إليه، وهنا نتساءل عن مستقبل الراديو وسبب صموده وما إذا قلصت وسائل التواصل الاجتماعي هذا الدور.
صمود الراديو: مميزات وتحديات
كان لوسائل التواصل الإجتماعي أثر إيجابي على الراديو إذ أعادت إحياء تقبّل الناس للمحتوى الخبري والثقافي والتربوي الذي يتمتع بطبيعة صوتية، كما أن المادة الصوتية ما زالت قادرة على تقديم محتوى كافٍ ،بالتالي إن صفحات وسائل الإعلام الجديد تفتح آفاقاً أمام المؤسسات الإعلامية التقليدية لتقديم برامج جديدة نظراً لامتلاكها شريحة واسعة من الجمهور .
يرى عميد كلية الإعلام والفنون في جامعة المعارف د.علي الطقش أنه إلى جانب الأثر الإيجابي، سلبت وسائل التواصل الاجتماعي الراديو جزءاً من جماهيره، لذلك يجب على الإذاعة اليوم “أن تثبّت جماهيرها، عبر معرفة جمهورها الذي ينقسم إلى فئتين. الفئة الأولى هم أولئك المتواجدين داخل سياراتهم والمتنقلين على الطرقات، أما الفئة الثانية فهم أصحاب المهن الذين يحتاجون لاستخدام حاسة النظر لديهم وبالتالي لا يستطيعون المشاهدة بل يسمعون فقط، كأصحاب الحرف من النجارين والحدادين وغيرهم من الأشخاص الذين يستطيعون تحصيل المحتوى الصوتي” .
ويضيف الطقش أنه كلما ظهر تطور تكنولوجي جديد أثّر نوعاً ما سلباً عبر سلب الراديو جزءاً من جماهيره ليضطر الأخير إلى إعادة تعريف دوره ومهامه. ودور الاذاعة يتجلى في الوقت الحالي من خلال مميزاتها وأهمها “تقديم محتوى صوتي”
إن اعتماد الراديو على البث الصّوتي فقط جعله أسهل استخداماً، إذ تستطيع الإستماع إليه بينما تنشغل يداك بتحضير وجبة الغداء، أو خلال التمارين الرياضية الصباحية أو عند ممارسة أي نشاط أو مهمة من المهام الأخرى إذ لا يتطلب منك الأمر سوى تشغيل حاسة السّمع، على نقيض التلفزيون والصحف ووسائل التواصل الإجتماعي. ويؤكد الطقش ذلك مضيفاً أن “المحتوى المرئي والمسموع يشغل حاستين مما يجبر الفرد للتفرغ للمشاهدة والإستماع فيما المحتوى الصوتي يمثل خدمة إضافية ساهمت في تثبيت وصمود الاذاعة لعقود طويلة، بحيث يستطيع الإنسان إكمال مهامه وهو يستمع إليها.”
أما بالحديث عن مميزاتها الأخرى، تصل الاذاعة إلى الجماعات المحلية النائية والمهمشة، وهنا تلعب الإذاعة دوراً هاماً في حالات الطوارئ ونجدة المصابين. ويشير عميد كلية الإعلام والفنون إلى “أنها خدمة بتكلفة زهيدة نوعاً ما لا سيما في الدول الفقيرة فهؤلاء الأشخاص ما زالو قادرين على الحصول على المعلومة وعلى الإرشادات الصحية والمعلومات المرتبطة بالأحوال الجوية وبتوجيهات لأصحاب المهن في المناطق والأرياف، وأيضاً هناك فئات تتواجد في أماكن جغرافية أخرى ربما في مناطق النزاعات والحروب التي لا تتأمن لديها خدمة الإنترنت “
إن اتصاف الاذاعة بالتكلفة القليلة حيث لا تستهلك “سعة كبيرة من الانترنت، وليست بحاجة لأدوات باهظة الثّمن، يجب أن يحفز الإذاعات على العمل بشكل أعلى”. وأيضاً هناك فئات تتواجد في أماكن جغرافية أخرى ربما في مناطق النزاعات والحروب التي لا تتأمن لديها خدمة الإنترنت “وتقتصر أهمية الإذاعة على هذه الفئات من الجماهير التي ذكرناها سابقاً. من هنا نرى أن هذه الوسيلة تمر بصعوبات كبيرة ومن المفترض أن تقوم بعملية تطوير ذاتي لتخطي هذه المشكلة”.
كيف يواكب الراديو وسائل التواصل الاجتماعي؟
فاطمة، شابة جامعية لا تلجأ في الأيام العادية إلى الراديو،ولكن في الوقت عينه تراه ذو أهمية كبيرة خصوصاً في حال التنقل في السيارة، إذ تستخدمه إما للإستماع إلى النشرات الإخبارية أو للترفيه عن النفس والتسلية. بالمقابل تتابع فاطمة صفحات إذاعية على مواقع التواصل الإجتماعي كفايسبوك مثلاً. وتضيف “أنا شخصياً أصبحت من المتابعين لهذه الصفحات، إذ يجري إستضافة أشخاص مهمين جداً للبحث في مواضيع مهمة وشيّقة أحياناً مما يجذبني للمتابعة.”
إن امتلاك الراديو لجماهير يتواجدون على وسائل التواصل الإجتماعي يفتح له آفاقاً واسعة في هذا العالم من خلال المساحات الإبداعية والنقاشية المتواجدة على هذه المنصات. ولكن، يؤكد د.علي الطقش أن “المؤسسات الإعلامية وتحديداً الإذاعات لم تتمكن حتى اليوم من دخول عالم التحول الرقمي، أي أن عملية التحول الرقمي في الإذاعات لم تكن عمليات ذكية وفعالة بنسبة عالية. جربت هذه المؤسسات تقديم محتوى بصري فتاهت الهوية لديهم بين أن يقدموا محتوى مدمج أم سمعي”.
ويضيف أن التجارب في هذا المجال كانت”إلى حد ما متواضعة”. في لبنان تحديداً “لم تستطع معظم الإذاعات تقديم تجارب إيجابية في عملية التحول الرقمي لأننا في النهاية نحن ذاهبون نحو مكانٍ الدمج هو سمته الأساسية، إضافة إلى تراجع الفوارق بين المؤسسات الإعلامية التقليدية في المرحلة المقبلة “.
إن هذه التجارب تقدمها الخدمات الشبيهة بالبودكاست الموجودة على ساوند كلاود أو على الويبسايتس أو على كلوب هاوس اليوم. هذه النماذج أثبتت أن الإذاعة يمكنها إعادة تطوير نوعية البرمجة التي تقدمها.وبالتالي فإن أعداد الجماهير الذين يتواجدون على كلوب هاوس من المفترض أن يكون محفزاً للإذاعات لإعادة التفكير بتطوير نفسها.خصوصاً أن سمة الراديو التّفاعلية مع الناس من خلال الاتصالات تجعله أكثر قدرة على التماهي والتأقلم مع وسائل التواصل الاجتماعي من التلفاز والوسائل التقليدية الأخرى.
ما هو مستقبل الإذاعة؟
نحن الآن في بدايات عصر المؤسسات الإعلامية المتعددة المنصات، أي أنه ليس هناك شيء يسمى إذاعة أو تلفزيون أو ويبسايت ، سيكون هناك مؤسسات إعلامية حاضرة على مختلف المنصات بنفس الأهمية التي توليها لمنصتها التقليدية لكي تعيش .
في هذا الصدد يعتبر عميد كلية الإعلام في جامعة المعارف أن “الإذاعة باتت مضطرة للتواجد على منصات متنوعة وإعادة تأهيل كوادرها وأرضيتها التقنية. وإن إعادة إحياء وربط علاقتها مع جماهيرها المختلفة تحتاج إلى مواكبة ما يتطلبه هذا الجمهور في المكان الذي يتواجد عليه “فإذا احتاجت إلى بودكاست يجب أن تنشئ واحدة ، كما عليها أن تنشئ صفحات في منصات الـ AUDIO STREAMING كـ كلوب هاوس وتبدأ العمل عليها”. وأضاف أنه يجب أن يكون لديها ويبسايت وتطبيق متكامل إضافة إلى أكثر من قناة على يوتيوب وعدد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي”.
أخيراً، يمكننا القول بأننا الآن في مرحلة رمادية للإعلام، ولكن العالم الذي نذهب اتجاهه لا يوجد فيه سمة موحدة له بحيث سيكون لدى كل مؤسسة إعلامية تواجد على كل منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي يجب أن يتواجد عليها، كما يجب تأمين المحتوى الذي يبحث عنه الجمهور إضافة إلى تعزيز فريق العمل لديها وقدراتهم لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة.
اقرأ أيضاً: