الرئيسية / مواقع التواصل / وسائل التواصل الاجتماعي: بين نقل الحدث والانسانية

وسائل التواصل الاجتماعي: بين نقل الحدث والانسانية

فاطمة فضل الله

منذ يومين، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يصوّر حادثة احتراق عائلة بأكملها بعد أن  انفجرت قارورة غاز في المنزل الواقع في حي النبي نعام في بعلبك. اللافت في المقطع المنتشر أن المصّور هو من السّكان القريبين جداً من العائلة من حيث المسافة، ورغم صراخهم الذي يعلو موضحاً مدى الآلام التي يشعرون بها جراء تعرضهم للنيران وخروج أحدهم محترقاً من شباك المنزل، إلا أن هذا الشّخص لم يحرّك ساكناً بل اكتفى بتسجيل معاناتهم مع التعليق عليها ثم نشر الفيديو.

https://youtu.be/d6CqMh2z6i4
فيديو الحريق الي انتشر على مواقع التّواصل الإجتماعي

انتهى الحادث بوفاة شخصين من العائلة وإصابة أحدهم بحروق بالغة من الدرجة الثالثة جعلته طريح الفراش في العناية المشددة في إحدى المستشفيات. هنا نتساءل، لو قام مصوّر المقطع بمساعدة هذه العائلة فور سماع صوتهم بدلاً من تصويرهم والنشر على وسائل التواصل الاجتماعي أما كان من الممكن أن يغيّر مصير ولو شخص واحد منهم؟ إن الإجابة على هذا السؤال تحتمل التأييد أو المعارضة، ولكن على الأقل كان الإنسان سيمارس ما تمليه عليه طبيعته الإنسانية.

هذه الحادثة واحدة من الحوادث المؤلمة التي تتفوق فيها الصورة على الانسانية، وهنا يبرز تأثير وسائل التواصل الإجتماعي على الإنسان وطبيعته وشخصيته، بحيث تحوّل إهتمام الأفراد بتسجيل مآسي غيرهم بدل التدخل لحلّها وتقديم المساعدة إذا تطلب الأمر. فكيف أثرت وسائل التواصل الإجتماعي على إنسانية الأفراد وتعاطفهم مع الغير؟ وما هي الأسباب النفسية والسلوكية التي تدفعهم للتصوير بدلاً من المساعدة؟

ظاهرة تصوير المآسي ليست جديدة

ليست المرة الأولى التي ينتشر فيها هذا النوع من الفيديوهات، فكثيراً ما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي سابقاً فيديوهات لأشخاص يريدون الإنتحار دون تلقي مساعدة سوى تصوير الحدث، أو صور وفيديوهات لأشخاص لقوا حتفهم في حوادث سير مأساوية لتجتاح صور أشلائهم مواقع التّواصل الإجتماعي دون أي اعتبار لحرمة الميت أو للأخلاق الإعلامية والإنسانية.

ولكن الحديث عن هذه الظاهرة بدأ منذ عام 1993، أي قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي. وذلك بعد أن قام المصور الصحفي الشهير “كيفن كارتر” بالتقاط صورة لطفلة صغيرة هزيلة، كانت قد توقفت عن الزحف وهي في طريقها إلى مركز لتوزيع الطعام خلال مجاعة السودان، وبالقرب منها نسر يراقبها من بعيد.

هزت صورة الطفلة التي التقطها كارتر خلال رحلته إلى جنوب السودان ضمير العالم، متسائلين عن مصير الطفلة ما إذا كانت قد نجت أم أنها فارقت الحياة، ما دفع «نيويورك تايمز» إلى إصدار تنويه خاص بواسطة محررها الخاص قائلة فيه ان الطفلة الصغيرة تمكنت من السير بعيدا عن النسر لكن مصيرها النهائي غير معلوم.

الطفلة الجائعة والنسر (صورة) - ويكيبيديا
صورة “الطفلة الجائعة والنسر” للمصور كيفن كارتر

اعترف كارتر أنه انتظر 20 دقيقة ليطير النسر بعيدا وعندما لم يفعل ذلك ، أخذ صورة لا تنسى وطرد النسر. ورغم فوزه بجائزة بوليتزر في عام 1994 عن هذه الصورة الرمزية لكنه لم يستطع الاستمتاع بها لأنه ندم على عدم مساعدة الطفلة البائسة.

اليوم يتكرر هذا الفعل يومياً على وسائل التواصل الإجتماعي، وتنتشر ظاهرة تسجيل مآسي الآخرين للتباهي بنشرها وحصد الايكات والتعليقات على مواقع التواصل الإجتماعي دون أن يشعر صاحب المقطع بالذنب لعدم المساعدة بل يسعى قدر الإمكان إلى نشر ما صوره على هذه المواقع، وإذا أجرينا مقارنة بين حوادث اليوم وحادثة الحريق الذي تكلمنا عنه سابقاً بين حادثة الصورة التي التقطتها كارتر سنجد أن المشاعر الإنسانية قد تراجعت إلى حد كبير.

وسائل التواصل الإجتماعي : حب الظهور يطغى على الإنسانية

تعتبر الأخصائية في علم النفس الإجتماعي رجاء الدّرويش أن الإنسان الذي يرى مشاهد مأساوية أمامه ويبقى حاملاً هاتفه للتصوير دون السّعي لمساعدة الناس أو إنقاذهم ، هو شخص يبحث عن ذاته على مبدا “أنا موجود فلتروني”. وتضيف ” عندما يمتنع الإنسان عن تصوير الحدث ليقوم بالمساعدة من المحتمل أن لا أحد سيعرف أنه من قام بالإنقاذ بينما عندما يقوم بتصوير الحدث ونشره أو مشاركته على وسائل التواصل الإجتماعي سيظهر للناس أنه من قام بالتصوير وسيبدأ التفاعل على الفيديو لينتشر لاحقاً.”

صورة تعبّر عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الناس
صورة توضح هوس الناس بالنشر على وسائل التواصل الاجتماعي

تنبع هذه التّصرفات عن حب الظهور والوجود وإثبات الذَات بحسب الدرويش، مؤكدة أن “هذه الصّفات جردت الإنسان من المشاعر حيث تنمي وسائل التواصل الاجتماعي هذه النزعة لديه وتقتل المشاعر الإنسانية ليصبح همّه الوحيد ماذا ينشر عبر هذه المنصات، وكيف يجمع عدداً أكبر من اللايكات والتعليقات والمشاركات، حتى أنه قد يلجأ لنشر الأخبار والأحداث الكاذبة أحياناً في سبيل تحقيق إثبات وجوده على وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة التفاعل”.

وتختم المختصة في علم النفس الإجتماعي، أنه لمواجهة هذه الظاهرة “يجب على الإنسان الفصل بين العالم الإفتراضي أو وسائل التواصل الاجتماعي والعالم الحقيقي، إذ أن الغوص في هذا العالم والتأثر به يجعله رهينة لهذه المنصات وبالتالي يجب على الإنسان الإنتباه إلى كيفية التّصرف عليها عبر تحديد وقت محدد للدخول إليها ومحاولة التمييز بين الحقيقة والأشياء الإفتراضية فيها”. ويتطلب ذلك “أن يكون الإنسان صاحب إرادة وشخصية قوية يتخلص من خلالها من سيطرة هذه الوسائل عليه، ولا ننسى أهمية التوعية المجتمعية مهمة جداً لتخطي هذه المشكلة”.

أخيراً، نستنج أن وسائل التواصل الإجتماعي باتت ذات أثر خطير على مستخدميها كما أنها تساهم في تغيير شخصية الإنسان وتنسيه القيم والأخلاق النبيلة وتجعله أسير لفت النظر وتحقيق الشهرة. لذلك علينا أن نعمل على حماية أنفسنا والمحيطين بنا من أثرها غبر التوعية من مخاطر الإمغماس بها.

اقرأ أيضاً:

http://almourakeb.net/صحافة-المواطن-عملية-تشاركية-أم-تنافسي/

عن فاطمة فضل الله

فاطمة فضل الله، صحافية حائزة على إجازة في الصّحافة المرئية والمسموعة من الجامعة اللّبنانية، كلية الإعلام الفرع الأول. طالبة ماجستير صحافة رقمية في الجامعة اللبنانية.
x

‎قد يُعجبك أيضاً

وسائل التواصل الاجتماعي

وسائل التواصل الإجتماعي: أكبر وسيلة تسويق رقميّة معاصرة

ثمّة تزامن ما بين التطوّر المعلوماتيّ الهائل الذي طرأ على الفضاء الرقميّ وعملية التسويق الإعلانية ...