الرئيسية / أخلاق إعلامية / الصحافي على تويتر.. أخلاقيات مهددة
أخلاقيات الصحافي على تويتر
أخلاقيات الصحافي على تويتر

الصحافي على تويتر.. أخلاقيات مهددة

شكّلت أخلاقيات العمل الصحفي علامة استفهام في عصر الميديا الجديدة والممارسات الاعلامية المتطورة، حيث فرض الإعلام البديل تحديات على الصحافي نفسه ومزاولته للمهنة. لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي اقتحمت الإعلام التقليدي، وألحقت تعديلات وأشكال منافسة غيّرت من وجه المهنة. ومن بين هذه الوسائل، يفضل أغلب الصحافيين موقع تويتر للتعبير عن آرائهم ونشر أفكارهم، نظراً لهويته بالمحتوى الجدي، وجمهوره النخبوي نسبياً مقارنةً بباقي وسائل التواصل، إلا أنهم يواجهون تحديات متعلقة بالأخلاق المهنية أثناء ممارسة الصحافة، ومسؤولية دقيقة تجاه أنفسهم، متابعينهم، والمؤسسة التي يعملون لديها.

تويتر.. قيمة مضافة

أصبح من الضروري امتلاك الصحافي حساباً على منصة #تويتر، ومن دونه لا يستطيع مواكبة الأحداث العاجلة، ومراعاة التحول الرقمي السريع. لا يمكن التغاضي عن أهمية تويتر في خلق مواد صحافية وابتكار أفكار لعمل الصحافي، أي أصبح مصدراً منتجاً للأخبار والمعلومات، على سبيل المثال تصريحات السياسيين، وعليه تنشب حروب الكترونية وحملات انتخابية. والأهم من كل ذلك، اعتباره مساحة واسعة لتسويق الصحافي أعماله ومحتواه على صفحته، وإيصالها إلى شريحة متنوعة من القراء، بالإضافة إلى إزالة الحواجز بينه وبين جمهوره وإمكانية التفاعل معه.

أخلاقيات مهنية

بالمقابل، وعلى الرغم من الفوائد والإيجابيات التي لا تحصى لتويتر، حتّمت هذه الفوائد على الصحافي التمتع بأكبر قدر من الدقة والمسؤولية. وإذا كانت الأخلاقيات المهنية في الإعلام التقليدي لا تختلف عنها في الإعلام الإلكتروني، والمقصود المواقع الإخبارية وصفحات السوشال ميديا، فإنها تفرض على الصحافي الالتزام بها أينما حلّ، وهنا يكمن التحدي.

إن الكم الهائل من المعلومات الآنية والمتراكمة، تهدد مصداقية المحتوى الذي سينتجه الصحافي ومدى صحته، وهذه الأفكار الفائضة والغنية، تطلب التحقق من المعلومات قبل العمل عليها، ولذا يفترض بالصحافي اتقان أدوات الـ fact-checking. أيضاً، هناك مسؤولية كبيرة في احترام الملكية الفكرية، فإن استشهد الصحافي في موضوعه بحادثة لم ينقلها سوى مستخدم واحد على تويتر، من الأفضل وضع التغريدة كما هي (embed) ونسبها إليه بدلاً من أخذها كسبق صحفي، مع احتمال تثبت عدم صحتها فيما بعد.

تلعب سمة التفاعل على تويتر دوراً هاماً في إنشاء الصحافي لموضوعه، لكنها تهدد بالتعدي على المعايير والخروج عن السياسة التحريرية للمؤسسة، لصالح الخضوع لها بذريعة تحقيق الـrating. هكذا تبدلت المعادلة، بينما كان في السابق يخضع الجمهور للصحافي الذي يتحكم بموضوعاته وبماذا عليهم أن يقرأوا، صار الأخير موظفاً لدى رغباتهم ويبني مواده على أساس أفكارهم وتفضيلاتهم.

إحدى هذه الوسائل على موقع #تويتر، ميزة التعليق والمشاركة، حيث يبدي الجمهور رأيه بعمل الصحافي، مما قد ينعكس سلباً في تغيير مبادئه وأفكار لطالما شكلت أعمدة مسيرته الفكرية، مثل مسائل التطبيع والمثلية وغيرها… أضف إلى ذلك، سمة التصويت poll، حيث يطرح الصحافي سؤال للجمهور وبحسب إجاباتهم يحدد خياره. مثل: “ماذا تحبون موضوع الحلقة المقبلة؟”، غير أن سؤالاً شائكاً في قضية حساسة ومثيرة للبلبلة، من الممكن أن تؤثر على السياسة العامة للمؤسسة التي يعمل بها، مثل: “هل تدخّل رجال الدين بالسياسة في لبنان ضمان للعيش المشترك أم تكريس للفساد؟”.

فلنفترض أن الجمهور اختار إجابة الفساد، وزعيم طائفة دينية يموّل المؤسسة، بالنتيجة ينحصر الصحافي بخيارين، إما أن يلبي توجهات الجمهور ويكسبهم كقراء دائمين ويضغط على رب عمله، أو يخذلهم ويكتب ما يعارضهم وبالتالي يفقد الثقة، من أجل عدم خسارة وظيفته. وفي هذا الإطار سُجلت عدة حالات لصحافيين خسروا أعمالهم بسبب تغريدة تنافي سياسة المؤسسة، بعد أن فشلوا في تحدي مراعاة الأخلاق الصحفية، بين الوسائل التقليدية والرقمية، وسقطوا في مصيدة التظاهر وعبيداً للمشاهدات.

واجهة المؤسسة؟

تبقى مراعاة التوجه السياسي للمؤسسة الإعلامية في حياة الصحافي الشخصية، موضوعاً نسبياً ويعود لكل فرد وميوله، وحتى الآن لا إجابات حتمية أو موحدة. فبعيداً عن سياق المهنة، يذهب البعض إلى اعتبار أن الجمهور يقيم الصحافي وينظر له على أساس المؤسسة التي يعمل فيها، لذا عليه احترام توجهها السياسي في مختلف جوانب حياته، وفي تغريداته ومدوناته على #تويتر، بمعزل عن مزاولة المهنة، وعدم التمدد في فتح الباب للآراء المناقضة والسياسة.

كما أن هناك صحافيين ارتبطت أسماؤهم باسم المؤسسة، بحيث لا يمكن للجمهور الفصل بينهما عند مقاربة موضوع معين، وهذا المعيار يفرض نفسه بعد تمضية عقود زمنية في العمل. في هذا الصدد، يعتبر الصحافي محمد حمية الذي يعمل في جريدة “البناء” منذ 10 سنوات، أن الصحافي يصبح واجهة المؤسسة الإعلامية، وصفحته على #تويتر هي واجهته الشخصية، يؤكد بالتالي ضرورة الوقوف عند الحدود ومواءمة كتاباته وإدارته، والجهة السياسية أو الحزبية التي تنتمي إليها الأخيرة، وعند تفضيل مصلحة العمل على الآراء الشخصية، يكون ربما حافظ على استقرار مسيرته المهنية كما لو أنها لم تشوبها أي تقلبات، الأمر الذي يحدد هوية جمهوره ويضمن ثباتهم.

مساحة شخصية!

على الضفة المواجهة، يرى تيار آخر من الصحافيين أن الصفحة الشخصية غير مرتبطة في حرم المؤسسة التي يعمل لديها الصحافي، ولا علاقة لتوجهه السياسي بإدارتها وصاحبها، طالما أنه يقدم لها محتوىً مناسباً وموضوعياً، لا يلحق الضرر بها. وبعض الصحافيين يعتمدون ذكر أن “تغريداتهم تعبر عن آرائهم الشخصية فقط ولا تعبر عن رأي كيان عملهم”، في مربع الوصف بحسابهم وبذلك يخلون مسؤوليتهم.

يرى الصحافي في موقع “ليبانون 24” والناشط على #تويتر علي منتش، أن الصحافي غير ملزم باعتناق الحيادية شبه المطلقة وطرح الرأي والرأي الآخر، كون تويتر مساحة شخصية لممارسة حق الرأي والتعبير في نهاية الأمر بما يكرسه القانون. كذلك، يلفت منتش إلى الحالة الانفعالية غير السهلة عند انتشار قضية رأي عام على #تويتر، قد تجرّ لخروج الجميع عن ضوابطه، وهنا يتجلى اختلاف المعايير المهنية في الإعلام البديل الأقل وطأةً، عن معايير الإعلام التقليدي الأكثر تشددا.

لكن عملياً، لا يدحض منتش دور مؤسسة العمل في حياة الصحافي، منوهاً بمراعاة الموضوعية في طرح الآراء المختلفة، لجهة عدم الذهاب بعيداً عن السياسة العامة للمؤسسة احتراماً لها ومن منطلق أخلاقي، مما يعزز رصانة الصحافي في نظر الجمهور.

في المحصلة، لم يكن الإعلام بمنأى عن الثورة المعلوماتية الراهنة، ورغم تفاوت المعايير الأخلاقية مع هذا التطور، إلا أن الصحافي صحافي يبقى أينما حل، وتقع على عاتقه حسن إدارة مسيرته المهنية وتحمل مسؤولية خياراته. مسألة التزام سياسة المؤسسة الإعلامية في إطار أخلاقيات المهنة، تُطرح في عقد العمل، فإما يلغى الشرط أو يلتزم به، على غرار طرد قناة دوتشه فيله 5 صحافيين عرباً بسبب معاداة السامية، الأمر الذي أثار موجة غضب لقمع الإعلام وتهديد السلطة الرابعة في ألمانيا، فقد كشفت الصحافية في القناة المذكورة أن عقد عملها لا توجد فيه فقرة تمنع انتقاد أو معاداة السامية، فيما ثمة فريق آخر رأى أن القرار طبيعي ويتسق مع القانون الألماني الذي يجرّم معاداة السامية ولا يعدها حرية رأي.

فاطمة جمعة

عن fatimajomaa

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وسائل التواصل الاجتماعي

وسائل التواصل الإجتماعي: أكبر وسيلة تسويق رقميّة معاصرة

ثمّة تزامن ما بين التطوّر المعلوماتيّ الهائل الذي طرأ على الفضاء الرقميّ وعملية التسويق الإعلانية ...