الرئيسية / Uncategorized / الحرب السيبرانية بين إيران و”إسرائيل”: حربٌ “بلا نيران”

الحرب السيبرانية بين إيران و”إسرائيل”: حربٌ “بلا نيران”

أوّل ما قد يخطر لك عندَ تبادل التّهديدات بين طهران و”تل أبيب”، هي مشاهدٌ لصواريخ تنطلق من قواعد الحرس الثّوري الإيرانيّ نحو شمال فلسطين المحتلة، أو طائرات الـ F16 الصّهيونية المُتّجهة لاستهداف نقاطٍ عسكريّة إيرانيّة. إلّا أنّ واقع الصّراع بين الطّرفين أخذ منحىً أخطر على مختلف الصّعد في العقدين الأخيرين، نحو ميدانٍ خالٍ من البنادق والصّواريخ، وموجّهٍ نحو نقاطٍ حسّاسة من مواقع مدنيّة واقتصاديّة وعسكريّة تمسّ المُواطنين الإيرانيّين وقطاعات طهران الاقتصاديّة، والأمر ذاته ينعكس على المستوطنين الصّهاينة، ونقاط الاحتلال الحيويّة في الأراضي المُحتلّة.

“الحرب السّيبرانية” أو “حرب الظّلال”، وتُشنّ من خلف “لوحة المفاتيح” وتكون كفيلة في أغلب الأحيان بتعطيل مرافق البنية التّحتية بمُختلف أشكالها وأدوارها.

نُبذة عن الحرب السّيبرانية

باتت الحرب السّيبرانية اليوم تشكّل جزءًا أساسيّاً من أيّ سياسة أمنيّة وطنيّة، حيث بات من المعلوم أنّ صنّاع القرار في الدّول الكُبرى أصبحوا يصنّفون مسائل الدّفاع السّيبراني كأولويّة في سياساتهم الدّفاعيّة الوطنيّة. فالأمن السّيبراني هو الجهد المُستمر لحماية شبكات وبيانات المؤسّسات والأفراد من الاستخدام غير المصرّح به أو أيّ أذى واختراق يلحق بالشّبكة.

عام 1993 ظهر مصطلح الحرب السّيبرانيّة لأوّل مرّة حين انتشر كُتيّبٌ لمؤسّسة “راند الأميركيّة للأبحاث والتّطوير” يحمل عنوان: “الحربُ السّيبرانية القادمة” الّذي طرح فرضيّة مضمونها أنّ “ثورة المعلومات ستغيّر من طبيعة النّزاع المُسلّح”، وأنّنا “سنحتاج إلى لغة جديدة لوصفها”.

والحرب الإلكترونيّة (Cyber Warfare)، هو صراعٌ ميدانه شبكة الإنترنت، وينطوي على هجمات ذات دوافع سياسيّة على المعلومات ونُظُمها، حيث يمكنها تعطيل مواقع الويب الرّسمية والشّبكات، وتعطيل الخدمات الأساسيّة أو سرقة وتعديل البيانات السريّة، وتخريب الأنظمة الماليّة، وذلك من بين العديد من الاحتمالات الأُخرى.

تُفيد دراسة لمركز الدّراسات الاستراتجيّة والدّولية بأنّ 15 دولة في العالم -وهي الدّول الّتي تمتلك الميزانيّات العسكريّة الأضخم- تستثمر في مجالات متخصّصة من أجل الحصول على قدرات هجوميّة إلكترونيّة عن طريق الإنترنت، ودمج القدرات الإلكترونية في عملياتها العسكريّة.

طهران و”تل أبيب”: مراحل الصّراع السّيبراني

عند العودة لأيّ دراسةٍ أو كتابٍ يتناول موضوع الحرب السّيبرانيّة بين إيران و”إسرائيل”، سنُلاحظ أنّ مُعظم تلك المصادر تعتبر أنّ نهاية العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين هي حقبة بداية الحرب الإلكترونيّة بين الطّرفين، إلّا أنّ العام 2004 هو العام الّذي بدأ فيه الحديث فعليّاً عن هذا الموضوع، عندما دعا رئيس الموساد الأسبق مائير داغان لاجتماع لمناقشة “كيفيّة إيقاف المشروع النّووي الإيراني”، وقدّم داغان آنذاك مجموعة من المُقترحات على رأسها “استخدام قُدرات “إسرائيل” التّكنولوجيّة في شنّ هجمات سيبرانية ضدّ المُنشآت النّوويّة”.

وفي العام 2005، تمّ تأسيس مجموعة إلكترونية أُطلق عليه “جيش فضاء إيران الإلكتروني”، والّذي تستخدمه أجهزة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة لشنّ هجمات إلكترونيّة على الجهات الّتي تشكّل خطراً على  برنامج إيران النّووي وتطوير الصّواريخ البالستيّة، أو في المجالات الاستخباراتيّة وجمع المعلومات.

في تشرين الثّاني 2010، تمكّنت “إسرائيل” من اختراق حواسيب مفاعل نطنز في مدينة أصفهان الإيرانيّة، إلى جانب منشآت نوويّة أخرى عبر إدخال برنامج فيروسي معقّد إلى أجهزة الكومبيوتر الّتي تتحكّم بأجهزة الطّرد المركزي الإيرانيّة لتخصيب اليورانيوم. وقام الاحتلال بتنفيذ هجماتٍ سيبرانيّة أخرى خلال العام 2020 والعام 2021، منها الهجوم الّذي وقع في 11 نيسان 2021، حين نفّذ هجوماً جديداً على منشأة نطنز النوويّة في أصفهان، ما تسبّب بانقطاع الكهرباء داخل المُنشأة.

في المُقابل قامت إيران -الّتي ضاعفت ميزانيّة السّايبر لديها 12 مرّة بين عاميّ 2013 و2021 ما جعلها واحدة من القوى السّيبرانية الكُبرى الخمس في العالم- باستهداف مواقع إلكترونيّة ونقاط مختلفة داخل الكيان الإسرائيلي، منها في 21 أيّار 2021 عندما قالت الإذاعة الرسميّة الإسرائيليّة إنّ إيران استهدفت مواقع إلكترونيّة تابعة لسلطات محليّة وشركات خاصّة ومطاعم بهجومٍ سيبرانيّ، وأظهر الهجوم رسماً لمدينة يافا المُحتلّة المعروفة إسرائيليّاً باسم “تل أبيب” وهي تحترق، مع رسائل معادية لكيان الاحتلال بمُناسبة يوم القدس العالمي. أمّا الهجوم الأكبر الّذي وضع “إسرائيل” في حالة إرباك كبير، هو الهجوم الّذي وقع في نيسان من العام نفسه حين استهدفت إيران مرافقاً للمياه والصّرف الصحّي، تمّت خلالها السّيطرة على كلمات مرور تشغيل منظومات لضخّ المياه. تبع ذلك هجمات إلكترونيّة إيرانيّة عدّة، كان آخرها في 7 آذار 2023، عندما اتّهمت “إسرائيل” إيران بشكل رسميّ  بالمسؤوليّة عن الهجوم السّيبراني الّذي استهدف معهد العلوم التّطبيقية في مدينة حيفا قبل 3 أسابيع من التّاريخ المذكور.

مُستقبل الصّراع

وفقًا لتقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإنّ إيران أصبحت واحدة من أكثر اللاعبين نشاطًا في الساحة الإلكترونية الدّولية، الأمر الّذي بات يشكّل تهديداً حقيقيّاً لـ “إسرائيل”. ولكن، هل تستطيع إيران إلحاق الضّرر المطلوب بعدوّتها عن طريق المجال السّيبراني حصراً؟ يؤكّد الخبير في المجالين التّقني والتّكنولوجي علي شمس الدين، أنّه ليس من مصلحة أي طرف نقل الصّراع إلى الميدان السّيبراني وإهمال الميدان العسكري بالمُطلق، فالميدان السّيبراني لا يمكنه في الوقت الحالي تقديم النّتائج المطلوبة والّتي يحقّقها العاملون في المجال العسكري، كما أنّ الحرب السّيبرانيّة بحسب شمس الدين هي بمثابة مُفتاح لتحقيق الأهداف الكُبرى في الحرب العسكريّة، إلّا أنّها لن تقدّم النّتيجة المطلوبة بغياب الجبهة العسكريّة.

ابتكرت الولايات المتحدة و”إسرائيل” فيروس “ستوكسنت” لضرب البرنامج النووي الإيراني

وعن مدى قدرة طرفيّ الصّراع حماية أجهزتهما وموانئهما من الاعتداءات السّيبرانيّة، يقول شمس الدين إنّه “لا يمكن لأي طرف تأمين الحماية المُطلقة لجهازه مهما كان حذراً ومتقدّماً على المُستوى التّكنولوجي، وليس هناك شيء في هذا المجال اسمه “حماية كافية” في ظلّ التطوّر التّكنولوجي المُستمر على مستوى العالم”. يستشهدُ شمس الدين في هذا السّياق بحادثة مفاعل نطنز في تشرين الثّاني 2010، فيؤكّد أنّ مفاعلات إيران آنذاك كانت تعتمد على نظام يُدعى “Air Gap” ومعناه الحرفيّ أنّه “مُفرّغ من الهواء”، وهذا النّظام مفصول بالمُطلق عن عالم الإنترنت، ومع ذلك استطاعت “إسرائيل” عبر فيروس “ستوكسنت” من استهداف تلك المفاعل ومنشآت نوويّة حسّاسة في إيران.

“لا يمكن لإيران القضاء على “إسرائيل” أو العكس عن طريق الحرب السّيبرانيّة”، يؤكّد شمس الدين في سياق حديثه عن مُستقبل الصّراع السّيبراني بين الطّرفين، ويُضيف أنّ الطّرفين لا يتّكلان في المجالين الاقتصادي والتّجاري على عالم السّايبر حالهم كحال باقي البلدان الّتي تعمل في المجال السّيبراني، ويبقى الصّراع بينهما في هذا المجال مبنيّاً على إلحاق الضّرر في مجالات معيّنة أغلبُها استخباراتي أو عسكري، إلّا أنّ فكرة انهيار وسقوط أي طرف بناءً على هجمات سيبرانيّة متكرّرة، هي فكرة بعيدة في الوقت الحالي على الأقل.

عن jadhamouch

x

‎قد يُعجبك أيضاً

معرض “إيديوتيك 2023”: عروض نهارا في الذكاء الاصطناعي وندوة مسائية عنه

إفتتحت “الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية”، مؤتمر ومعرض EduTech 2023، في مقرها، وفي حضور وزير التربية ...