الرئيسية / سلامة رقمية / يوتيوب: بين خرق الخصوصية والسلامة النفسية

يوتيوب: بين خرق الخصوصية والسلامة النفسية

صورة تعبّر عن المحتوى المنتشر على يوتيوب
صورة تعبّر عن المحتوى المنتشر على يوتيوب
فاطمة فضل الله

أنس مروة، هو شاب سوري يملك قناة على يوتيوب يعرض فيها حياته اليومية مع عائلته. كان مروة يعمل في البرلمان الكندي براتب شهري جيد لكنه قرر ترك عمله وافتتاح قناة على يوتيوب ينشر خلالها يومياته هو وزوجته وطفلتهما ويشاركا كل تفاصيل حياتهم مع متابعيهم كما يشركوهم في اتخاذ قراراتهم المصيرية.

قناة أنس وأصالة على يوتيوب

اشتهرت قناة هذه العائلة بشكل كبير لتتجاوز الـ 11 مليون مشترك،وفرضت مساراً جديداً على حياتهم حتى قرروا أخيراً تغيير مكان إقامتهم بهدف تطوير محتوى يوتيوب الخاص بهم والذي ما زال يقتصر على نشر حياتهم اليومية والعائلية. قناة أنس ليست القناة الوحيدة التي تنشر هذا النوع من المحتوى الترفيهي البعيد كل البعد عن الخصوصية والذي لا يحمل فوائد حقيقية للمشاهد بل يرتكز على نقل صورة عن حياة مثالية لأفرادها لزيادة عدد المشاهدات. بالتالي، كيف يؤثر الغرق في المثالية  وكشف الحياة بأدق تفاصيلها أمام الملايين من الناس على نفسية أفرادها؟ ولماذا نجد هذا المحتوى الأكثر متابعة على يوتيوب؟ وما تأثيراته على من يتابع هذه القنوات باستمرار؟

ظاهرة مدونات الفيديو: أنواعها وأسباب انتشارها

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة مدونات الفيديو ذات محتوى الحياة اليومية والتحديات والمقالب،هذا النوع من الفيديوهات يسمى بال”Vlogs” أي مدونات الفيديو وهي جمع بين كلمتي Blog و Video. اكتسحت هذه الظاهرة عالم يوتيوب، حيث باتت القنوات القائمة على هذا النوع من الفيديوهات الأكثر انتشاراً على هذه المنصة مقابل القنوات التي تقدم محتوى إحترافي أو تعليمي أو تثقيفي.

Vlogging Guide | JOBY
شاب يصوّر مدونة فيديو على هاتفه

أسباب كثيرة جعلت هذا القنوات الأكثر انتشاراً أولها سهولة تصويرها وإنتاجها بحيث تعتمد على أدوات بسيطة، على عكس المحتويات الإحترافية التي تتطلب أدوات أكثر جودة وأهمية، والسبب الثاني هو أن هذا النوع من المحتوى لا يتطلب جهداً كبيراً بل يعتمد بأغلبه على البساطة والعفوية في نقل اليوميات والترفيه وبالتالي يعتبر حلاً بسيطاً وممتعاً لجني الكثير من المال.

مدونات الفيديو: خرق الخصوصية مقابل المال والشّهرة على يوتيوب

للأسف لم تقتصر ظاهرة الفلوغات على نقل اليوميات فحسب بل تجاوزت حدود ذلك لتخرق خصوصية أصحابها وتجعل حياتهم بأكملها مادة  لقنواتهم على يوتيوب.

تبدأ هذه القنوات عادة بتحديات بسيطة إما تكون منطقية وأشبه بالألعاب وإما تكون غير منطقية كتحدي صنع أكبر كمامة للسيارة مثلاً! ثم يبدأ أصحابها اعتماد محتوى المقالب ،وهنا ينفذ اليوتيوبر جميع أنواع المقالب مهما كان خطيراً أو مؤذياً لمشاعر الطرف الآخر سعياً لزيادة عدد المشاهدات والإشتراكات في القناة.

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو image_2021-03-28_115125-1024x519.png
مدونات فيديو لجولة في منزل أصحاب القنوات

في الخطوة التالية، يبدأ أصحاب القناة بمشاركة تفاصيل حياتهم المملة كالطعام الذي تناولوه واستعراض الأغراض التي قاموا بشرائها مع الجمهور، إضافة إلى استشارتهم بما يتعلق بقراراتهم المصيرية كمشاركتهم بإختيار منزل جديد أو مكان إقامتهم والأخطر من ذلك مشاركة تفاصيل منزلهم على اعتبار أن متابعيهم هم “عائلتهم الثّانية”.

وفي هذا الصدد نذكر اليوتيوبر أحمد حسن الذي أثار الجدل دائماً  لإستغلاله لعائلته لتحصيل نسبة مشاهدات عالية إما من خلال مقالب خطيرة أو مشاركة لحظات لا يجب مشاركتها مع الجمهور، كنشر فيديو يظهر زوجته وهي تبكي حزناً على وفاة والدها، ظهرت فيه بحالة سيئة جداً لا تحتمل التصوير والنشر.

https://youtu.be/y1Ydm2FsYOQ
الفيديو الذي تظهر فيه زينب زوجة أحمد حسن بحالة سيئة بعد وفاة والدها

نشر الخصوصيات: أسباب وتداعيات نفسية

يعيش أصحاب هذا النوع من المحتوى تفاصيل حياتهم امام عدسات الكاميرات ويشاركون مشاعرهم وأحاسيسهم ولحظاتهم السّعيدة والحزينة مع ملايين البشر على هذا الكوكب كما يسعون جاهداً لإظهار حياتهم كحياة مثالية وإن كان بها لحظات حزينة أحياناً.

صورة لعدد من الـيوتيوبرز على يوتيوب

تعتبر المختصة في الصحة النفسية شهناز حمادة أن “نشر الخصوصيات في مواقع التواصل الإجتماعي والحاجة للتواجد عليها ومنها منصة يوتيوب هو أننا نبحث عن القبول أو الحب حتى لو كان ذلك يعني الكشف عن خصوصيتنا”، وأضافت أن الكشف عن الخصوصية إلى تلك الدرجة التي وصل إليها أصحاب المدونات على اليوتيوب “ليس طبيعياً ولكن علينا أن لا ننسى أنها وسيلتهم لتحقيق الربح”.

أما بالنسبة للتأثيرات النفسية التي قد يسببها جعل حياتهم مكشوفة والغوص في حياة أشبه بالحياة المثالية، تقول حمادة أن ” المثالية تجعلهم يطورون الكثير من سلوك الوسواس القهري، كما أن المقالب المؤذية بين الحين والآخر يمكن ان تسبب الكثير من مشكلات الثقة في العلاقات كما يمكن أن تحدث صدمة لدى متلقي المقلب، هذا يعتمد على مدى تأثير المزحة.”

محتوى اليوميات: تأثيرات نفسية وسلوكية تطال المتابعين أيضاً

تتابع ديما ابنة ال17 عاماً فيديوهات يوتيوب القائمة على المقالب واليوميات، وذلك لأنها تشعر “بالمتعة والتسلية عند متابعتهم”، كما يساورها الفضول “لمعرفة أخبارهم وتفاصيل حياتهم وكيف تسير علاقتهم مع أصدقائهم من اليوتيوبرز”. على عكس ديما، تمتنع نورا عن مشاهدة هذا النوع من المحتوى لأنها تعتبره “مضيعة للوقت ولا فائدة منه” .أما غنى فتشاهده “للترفيه عن نفسها بعذ ضغط الدّراسة”.

صحيح أن لا أحد منّا يهمه معرفة تفاصيل دقيقة جداً عن حياة غرباء لم نرهم من قبل، إلا أن هذا المحتوى يعتبر الأكثر جاذبية ومشاهدة على يوتيوب، ربما يعود السبب لطبيعة الإنسان الفضولية ولكن حتماً يوجد أسباب أخرى لذلك منها نفسية ومنها إجتماعية.

صورة لأشخاص يشاهدون يوتيوب

في هذا الخصوص، تقول حمادة أن دراسة تفيد بأن “بعض الأشخاص باتوا يعتبرون هؤلاء الأفراد بمثابة شركاء لحياتهم يشعرون أنهم بحاجة للإطمئنان عليهم ومتايعتهم ومعرفة تفاصيلهم اليومية كأنهم شركاء لهم في يومهم.” ولهذا السّلوك تأثيرات نفسية سلبية على المشاهد إذ تضيف حمادة أن “مقارنة حياتنا مع حياة هؤلاء الناس ستقلل أولاً من احترامنا لذاتنا إن كان من ناحية الرضا عن المظهر الخارجي أو المستوى المادي إذ يمتلك عادة هؤلاء الأشخاص أشياء لا يمتلكها الفرد العادي.”

من جهة أخرى،لصناع هذا المحتوى تأثير على الصحة النفسية وبالتالي على حالتنا المزاجية، فأحياناً بحسب حمادة” يعتبر المشاهد أن أصحاب القناة هم جزء لا يتجزأ من حياته وبالتالي يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم” . وأضافت “منذ فيرة توفي شاب يدعى عبود العمري، هذا الشاب اثّر في أحد الأشخاص الذين أعرفهم لدرجة أنها دخلت في حالة من الإكتئاب رغم أن علاقتها به كانت تقتصر على متابعتها له على وسائل التواصل الإجتماعي.”

سلوكياً، قالت حمادة أن المشاهد يمكن أن يصبح مقلداً لأصحاب القناة على يوتيوب، إما “من الناحية الشكلية على صعيد الملابس أو تسريحة الشعر، وإما من ناحية الأسلوب في العيش. بحيث يعتقدون أنهم إذا تشابهوا معهم من ناحية الشكل والتصرفات وغيرها فسيكونون متساوين معهم من ناحية الأحداث والحياة” وختمت أن :” هذه المقارنة ستبقى في عقلنا الباطني وبالتالي ستدفعنا لمحاولة تقليدهم والتشبه بهم قدر الإمكان.”

أخيراً، لهذه القنوات ذات الطابع الترفيهي تأثيرات نفسية وسلوكية على صانعي المحتوى ومشاهديه. لذلك يجب علينا حماية أنفسنا وأطفالنا من هذا التأثير كي لا يؤدي إلى وقوعنا تحت رحمة المثاليات مما يرمي بنا في دائرة عدم الرضى عن حياتنا ويسلبنا راحتنا النفسية.

اقرأ أيضاً

http://almourakeb.net/اليوتيوب-كاد-أن-ينهي-حياة-الطفلة-إيفا-al/

عن فاطمة فضل الله

فاطمة فضل الله، صحافية حائزة على إجازة في الصّحافة المرئية والمسموعة من الجامعة اللّبنانية، كلية الإعلام الفرع الأول. طالبة ماجستير صحافة رقمية في الجامعة اللبنانية.
x

‎قد يُعجبك أيضاً

الأمن السيبراني يعتبر من أهم المواضيع التي تشغل الأفراد والشركات، الحكومات والدول

الأمن السيبراني – كيف يخلق المتسللون فرصًا للمتخصصين

الأمن السيبراني هو ممارسة حماية أجهزة الكمبيوتر والشبكات وتطبيقات البرامج