يبدو أن ما كان خيالا في طريقه لأن يصبح واقعا متجسدا مع مصطلح جديد أخذ يغزو عوالم التكنولوجيا بشكل واسع . .مؤخرا، ألا وهو “الميتافيرس” الذي يبدو كأنه تعبير قادم من إحدى الروايات أو أفلام الخيال العلمي
هل سيؤثر الميتافيرس على الحياة البشرية وسلوكياتهم التي تمس صميم حياتهم ووجودهم ككائنات ذكية تعيش في هذا العالم ؟ هل هو تقنية حديثة وجدت فجأة أم تطور تدريجي تم له تمهيد منذ زمن طويل
الميتافيرس حقيقة ملموسة
عالم يتحول فيه الافتراضي الى حقيقي ملموس .. يعيش الانسان بداخله حرفيا .. حتى الان كان التفاعل والتواصل مع العالم الافتراضي يتم عبر شاشات الهواتف الذكية او شاشات الكمبيوتر وكانك تشاهد التلفاز مثلا .. اما في عالم الميتافيرس فانت تدخل هذا العالم .. تتجول فيه .. تلتقي باناس اخرين تحاورهم وتتفاعل معهم … دون الحاجة الى شاشات الهاتف او الكمبيوتر وباستخدام نظارات الواقع الافتراض ثلاثي الابعاد وسماعات الواقع الافتراضي ايضا .. واستخدام قفازات تتيح لك لمس الاشياء وحملها والاحساس بها .. في الحياة الواقعية نحن نبني معارفنا وتواصلنا مع الحياة باستخدام حواس التواصل الاساسية وهي البصر باستخدام العين والسمع باستخدام الاذن واللمس باستخدام الايدي بما تحتويه من اعصاب اللمس والاحساس … في عالم الميتافيرس يتم ربط حواسك هذه بنظارات وسماعات وقفازات تتيح لك التعامل مع الواقع الافتراضي كواقع حقيقي تماما تعيش انت فيه .. تراه حولك وتسمعه وتلمسه ..مجرد وضع نظارات العالم الافتراضي على رأسك؟
ما بين الواقع والخيال
مصطلح “ميتافيرس” ابتكره نيل ستيفينسون قبل نحو 30 عاما. في كتابه “سنو كراش”
( Snow Crash)، حيث يجد بطل الرواية حياة أفضل له في العالم الافتراض.
ولربما جاءت الخطوة الأجرأ لتحويل ذلك الخيال العلمي إلى تقنية حقيقية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، عندما أعلنت شركة فيسبوك تغيير اسمها إلى ميتا، وبدأت تستثمر مليارات الدولارات لتحويل نفسها إلى شركة تركز بالأساس على تطوير ميتافيرس – وهي رؤية يقودها مؤسس الشركة ورئيسها مارك زاكربرغ.
اذن الميتافيرس هو عالم افتراضي ثلاثي الابعاد يتيح لك ان تعيش في عالم اخر وحياة اخرى .. حياة تختار فيها انت شكلك وجنسك ولونك وملابسك .. وتبني علاقاتك وبيتك وعملك ومكتبك .. قد يبدو هذا جنونيا بالنسبة للبعض وخياليا وبعيدا عن الواقع .. الا ان الامر اصبح جديا .
.
ميتافيرس: هل يصبح الواقع الافتراضي مقر عملنا في المستقبل؟
هناك الان سوق للعقارات مثلا في عالم الميتافيرس بحيث اصبح سعر الشقة هناك اعلى من سعر شقة في الحياة الحقيقية .. وهناك بنوك حقيقية افتتحت لها فروعا هناك .. يعمل فيها موظفون حقيقيون ..
حتى الان يبدو الامر مسليا ومثيرا .. وقد يعتبره البعض نوعا من الترفيه .. لكن الامر ليس للتسلية اطلاقا .. فمؤسسة مثل الفيسبوك حين تغير اسمها الى ( ميتا فيرس ) وتضخ المليارات للاستثمار في تطوير هذا العالم وتصنيع ادواته .. وظهور عوالم اخرى منافسه .. حيث اعلنت مايكروسوفت وجوجل عن البدأ بالاستثمار في هذا المجال .. ناهيك عن الاعلان الصيني عن عوالم اخرى يتم انشاؤها ايضا .. كل هذا يؤكد ان الموضوع ليس للتسلية ..
يرغب هرمان نارولا في أن يكون ميتافيرس مختلفا بشكل جذري عن الواقع الحقيقي .يقول: “ما الذي سيجعلنا نرغب في أن يكون لنا مكتبا داخل ميتافيرس يشبه مكتبنا الحقيقي؟..الغرض الأساسي من الفضاءات الإبداعية في العوالم الجديدة هو توسيع نطاق تجاربنا، وليس مجرد استنساخ ما لدينا بالفعل في الواقع الحقيقي”.
نحو حوكمة ميتافيرس والحفاظ على حقوق الانسان
في البحث عن طرق للجم جماح الثورة الرقمية وجعلها اكثر انسانية واخلاقية ، فان هناك ثمة فجوة بين التطور التقني من جهة والقانون والاخلاق من جهة اخرى . وهو ما يتطلب ان يتم وضع معايير لحقوق الانسان في ظل ما تفرضة ميتافيرس من متغيرات جديدة ،والتي تفرض ليس فقط احترام حقوق الانسان بل كذلك بامتداد تطبيقها داخل بيئة التعاملات الرقمية بداخل الميتافيرس ،وهو ما يفرض ان يكون المشرعين والساسة على يقظة بتلك التحديات الجديدة ، وان يتم فرض مسئولية الشركات الكبري عن حماية حقوق الانسان الرقمية،ومكافحة التجسس وانتهاك الخصوصية،و مواجهة تحدي تنظيم عملية استخدام البيانات الشخصية
وهو الامر الذي يفرض على الحكومات تحديث الاطر التشريعية لجعلها اكثر ملائمة للتطبيق في البيئة الافتراضية التي تتيحها ميتافيرس ، وان يشمل ذلك جمع ومعالجة البيانات التي تتم عبر انظمة الواقع الافتراضي ، وبخاصة انها الاكثر شمولية بجمعها بين ذات الطبيعة البيومتيرية والرقمية والشخصية ،فضلا عن ارتباطها بالافكار والعواطف والميول والصحة العقلية ،وأهمية العمل على تطوير طرق انفاذ قوانين حماية البيانات الشخصية داخل ميتافيرس ، ومنع احتكار مجموعة من الشركات لموارده مثل البنية التحتية والاجهزة وضمان الحافظ علية مفتوحا امام مشاركة الجميع وحماية المنافسة،ومنع شعور المستخدمين بأنهم محبوسين في منصة معينة
الميتافيرس عمليا هو المرحلة القادمة من كل ما سبق ..وهي الخطوة الاكثر خطورة واهمية ..فبعد ان تم انجاز الخطوة الاولى عبر ربط معظم البشرية بحبال تقنيات التواصل الاجتماعي بحيث اصبح من الصعب تخيل الحياة بدونها خاصة وانها تعمقت وتغلغلت في كافة مناحي الحية تعليميا واعلاميا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا .. تجيء الخطوة الجديدة
( الميتافيرس ) لتجعل البشر جزءا اساسيا من العالم البديل الافتراضي .. !