برلا يوسف
هل تساءلت يومًا عن أسباب تأثرك ببعض الأحداث دون غيرها؟ أو لماذا تولي اهتمام لقضية دون أخرى؟ ولماذا هذه القضايا مهمة وعلى أي أساس قد صنفتها هكذا؟ في الحقيقة هذه المسألة ليست بيدك، لأنه وفقًا لـنظرية ترتيب الاولويات، يملك الاعلام التقليدي قوة تأثيرية على الجمهور، تجعله قادرًا لا فقط على توجيه الرأي العام بل أيضًا التحكم في ما يفكر وحتى في كيفية التفكير.
لكن هل لا يزال الاعلام يحتكر هذه القوة اليوم أم أنه بات لمواقع التواصل الاجتماعي سلطة موازية تجعلها قادرة على فرض القضايا بدورها؟
نظرية ترتيب الاولويات في الاعلام التقليدي
بحسب نظرية ترتيب الاولويات، ما يفكر فيه الجمهور تحدده وسائل الإعلام التقليدية، من خلال إنتقاء المواضيع وطريقة عرضها، تبعًا للأجندة الخاصة بكل وسيلة. فالهدف من ذلك، ليس فقط إطلاع الجمهور على الأحداث وتقديم المعلومات عنها فحسب بل إثارة اهتمامه حول الموضوع. ويتم ذلك عبر تحديد الأخبار التي سيتناولها الاعلام، وثم فرضها على الجمهور عبر تقديمها من الزاوية التي على المتلقين أن يروا بها، فتتحول في نظرهم الى مواضيع بالغة الأهمية.
وليولي الجمهور اهتمام بموضوع ما تعمل الوسيلة الاعلامية على تقديم الحدث ضمن اطار محدد، والتركيز على لفت انتباه المتلقي إلى تفاصيل معينة عنه، اضافة الى ذلك يتم العمل على طريقة المعالجة التي ستؤثر بالتالي على كيفية تقييم الحدث. وبذلك وبطريقة غير مباشرة يبني الجمهور رأيه بالقضية تبعًا للمعايير التي بيّنها له الاعلام وفرضها عليه.
الحرية على مواقع التواصل الاجتماعي مشكوك بأمرها
مع دخول مواقع التواصل الاجتماعي حياتنا، احتفل الجميع بحرية التعبير التي منحتنا إياها، لكن لم ينتبه البعض الى أن المستخدم لا يعبر عن آرائه باختيار ذاتي للموضوع. اذ كما في الاعلام التقليدي أيضًا في العالم الرقمي، يتم السيطرة على المحتوى وانتقاء مسبقًا ما ينشر على الصفحات الالكترونية. ففي هذا العالم، صحيح أن المستخدم حر في التعبير عن رأيه لكن القضية التي يتناولها لم يخترها بملئ إرادته بل عملت جهات على دفع الرأي العام الى التفكير بها.
والعمل على فرض الاحداث يتحقق من خلال اثارة اهتمام المستخدم عبر تناولها بكثافة وابرازها بشكل كبير على حساب باقي المواضيع، من خلال التركيز عليها والتداول بها بشكل واسع. يؤدي ذلك الى ترسخ القضية في ذهن الجمهور، وهذا ما يجعله يظن أن لهذه الاخيرة اهمية كبرى على حساب الاحداث الاخرى. ويظهر هذا التأثر نتيجة تلقي كميات كبيرة من الرسائل، بطرق مختلفة ومحتوى متعدد لكنها في النهاية تصب كلها في القضية الاساسية.
كيف يتاثر مستخدمو السوشال ميديا بالقضايا؟
كان لمواقع التواصل الاجتماعي أثر كبير في تحديد مستقبل الاعلام، إذ بات معلومًا أنها أصبحت اليوم الوسيلة الأولى للحصول على الأخبار فاصبحت جزءًا من حياتنا لا يمكن الاستغناء عنه. واستطاعت بذلك أن تحظى بقوة تأثيرية على المستخدمين وأن تتحول الى أداة للسيطرة على الرأي العام ودفعه الى الانخراط لا اراديًا في القضايا التي تفرضها عليه من خلال استخدام طرق عدة منها:
- ترويج منشور على نطاق واسع
هو بمثابة إعلان، عند القيام به تختار: الجمهور المستهدف وتحدد الفئة العمرية، الموقع الجغرافي، الميزانية، والمدة الزمنية للترويج. وتهدف هذه الخطوة الى رفع معدل التفاعل مع المنشور وزيادة أعداد الاشخاص المهتمين بالمحتوى المقدم.
- مشاهير السوشيل ميديا
يتم اللجوء لهؤلاء بسبب عدد متابعينهم الكبير وبالتالي هم وسيلة للوصول الى جمهور أكبر. ومع تحول نجوم العالم الافتراضي الى مؤثرين يصبح بالتالي للقضايا التي يشاركونها تأثير في المتابعين الذين يرون هؤلاء كمثالهم الأعلى.
- هاشتاغ
تناول الاحداث بكثرة تحت هاشتاغ مرتبط بها يسهم في أن تحتل القضية قائمة الاكثر تداولاً. فيرى المستخدم أن لهذه القضية أهمية كبرى فيتبناها.
- معلومات غير صحيحة
غالبًا ما تكون المعلومات غير الصحيحة لاثارة مشاعر وانفاعالات المستخدمين حول القضية فتحظى باهتمام أكبر وبشهرة اوسع.
وإذا كنت ترغب في الاطلاع على حادثة واقعية حول هذا الموضوع انصحك بمشاهدة فيلم The Great Hack الذي يتحدث عن كيفية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في الانتخابات الاميركية عام 2016.
لا شك أن للمنصات الرقمية قدرة على التأثير مع توسع قاعدتها الجماهيرية وتحولها الى وسيلة الاتصال والتواصل الاولى في عصر الانترنت اليوم. وبالتالي أصبحت قادرة على فرض القضايا لا على المستخدمين فقط، بل أيضًا أجبرت الاعلام التقليدي على تناول المواضيع التي تأخذ اهتمامًا الكترونيًا كبيرًا. وقد خصصت بعض القنوات فقرات للسوشال ميديا ضمن نشراتها الاخبارية منها فقرة Trends على محطة الجديد وفقرة Stay Connected على قناة المر.
قد يظن البعض أن تحكم رأس المال في وسائل الاعلام التقليدية، وما ينتج عنه من العمل وفقًا لأجندات الممول، وما يفرضه من مراعاة لمصالح هذا الاخير في السياسية التحريرية، أدى الى اللجوء لمواقع التواصل الاجتماعي. لكن لم يكن هذا الانتقال على قدر التطلعات التي بينت أن الاعلام الرقمي ليس أفضل حال من الاعلام التقليدي، بل له أيضًا سياساته التي تفرض على المتلقي الاستجابة لما يراه دون القدرة على اختيار المحتوى. وتبقى السوشيل ميديا أكثر خطرًا لان راسمي الاجندات اشخاص مجهولون، على عكس الصحف والراديو والتلفزيون التي نعرف ممولها ومقرها.
لذا عزيزي القارئ انتبه واسأل نفسك دائمًا: هل أنا حقًا اؤمن بهذه القضية؟ وهل حقًا هذه الأفكار تمثلني؟