نورهان شامي
مثّلت حرب العوالم أوّل إشاعة شهدها العالم وأشهرها في عالم الصحافة، حيث نشرتها شبكة CBSالإذاعية الأمريكية في 30 تشرين الأول 1938من خلال سيناريو وضعه أورسون ويلز لمسرحية إذاعية من تأليف هربرت جورج ويلز، حول غزو مخلوقات فضائية لكوكب الأرض.
قام أورسون ويلز بإيقاف بث برنامج موسيقي لعرض التقرير حول هذا الغزو الفضائي المرفق بتمثيل صوتي لأشخاص عاينوا الحدث.
امتد العرض الى 60 دقيقة شكل ثلثها سلسلة من النشرات التي تشبه في طريقة عرضها نشرات الأخبار.
فانتشرت أخبار صحفية أن موجة من الذعر تلت ذلك البث الإذاعي الذي عرف ب “حرب العوالم” وقال البعض أنهم تمكنوا من شم رائحة الغاز السام لذا فرَّ عدد كبير من الناس من أكثر من عشرين أسرة واضعين قطعًا من القماش المبلل على وجوههم لاعتقادهم بإنتشار هذ الغاز.
ليتبيّن لاحقا أن أثر هذا البث الإذاعي لم يكن بالحجم الذي نشرته الصحف، فقد بالغت في موضوع الخوف والهلع الذي اعترى الأميركيين حينها من أجل إضعاف عمل الراديو الذي كان في بدايات ظهوره في تلك المرحلة.
كما نشرت أخبار تلقّي أقسام من الشرطة عدد كبير من الإتصالات الهاتفية من قبل المواطنين لمعرفة طرق حماية أنفسهم من هذا الخطر المفاجىء، على الرغم من أنه تم ذكر عرض حرب العوالم من أجل تجسيد الخيال العلمي بوضوح في البداية ومرتين خلال البث .
يذكر أنه تم انتاج فيلم حرب العوالم War of the Worldsعام 2005 وهو فيلم من نوع الخيال العلمي من إخراج ستيفن سبيلبرغ، حيث كانت الفكرة مقتبسة عن رواية بنفس الاسم للكاتب ه.ج.ويلز.
دراسات حول حرب العوالم
أجرى الدراسة عام 1940 البروفسور هوارد كانتل ومجموعة من المتخصصين من خلال الإعداد لمقابلات مع 135 مواطن أميركي في ولاية نيوجرسي. أجريت هذه المقابلات لمعرفة ردود الفعل المختلفة على مسرحية “حرب العوالم” وأسباب الوصول الى حالة من الهلع والذعر على الرغم من تنبيه المستمعين خلال العرض أن ما يذاع هو مسرحية إذاعية.
وبحسب الدراسة، من أهم الأسباب التي دفعت بعض الناس لتصديق أمر الغزو كان مدى إيمانهم بهذا الجهاز الإعلامي صاحب التأثير السحري على الناس في تلك الفترة وحجم المهنية التي قُدِم فيها الخبر أثرت بشكل كبير على المتلقين إضافة الى أن عدم الثقة والميل الوراثي للإصابة بالهلع لدى بعض الناس كان المسبب الرئيسي في تصديق الخبر.”
و أوردت الدراسة “إن أغلب المتابعين لا يمتلكون الثقافة اللازمة للتمييز بين الأخبار الحقيقية والمزيفة، وأن المسؤولية تقع على عاتق المحررين والإعلام في تثقيف الناس حول كيفية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي.”
إلّا أن دراسات عديدة أخرى قد أجريت لتأكيد فكرة أن حجم الهلع لدى المواطنين لم يكن بالنسبة هذه التي ما زال البعض يصدّقها حتى اليوم وقد كلفت CBS بإجراء مسح شامل في اليوم التالي ليتم اكتشاف أن عدد قليل جدا ممن استمعوا للبث قد صدّقوه وأصابهم الخوف جرّاء ما تم بثّه.
ويقول فرانك ستانتون من CBS أن :” أولئك الذين سمعوا ذلك ، نظروا إليه على أنه مزحة وقبلوه بهذه الطريقة.”
ما زالت الشائعات متواجدة في عالمنا الحالي لا بل زادت مع انتشار استعمال مواقع التواصل الإجتماعي وتمكّن أيّا من يمتلك حسابا -حقيقيا أم وهميا- من نشر الأخبار الكاذبة دون حسيب أو رقيب . وأكدت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد الأمريكية أن 80 بالمئة من العينة التي شملت طلاب مدارس متوسطة، لم يكتشفوا الفرق بين المحتوى الممول (الكاذب) والأخبار الحقيقية، وأن ذات النسبة ليست لديها مشكلة في استقاء الأخبار من مصادر مجهولة.
حرب العوالم من الجانب النفسي
من أجل فهم سبب تصديق المستمعين أو المشاهدين للشائعات بشكل عام وفي سياق الحديث عن شائعة حرب العوالم علينا تعريف الشائعة في اللغة و علم النفس.
يشتق لفظ “شائعة” من فعل شاع في اللغة العربية بمعنى الإنتشار أو التفشي ، أما من منظور علم النفس فيقدم جيمس دريفر Charla Anedal تعريف للشائعة ليقول: أن الشائعة عبارة عن قصة غير محقق فيها تنتشر في المجتمع ويزعم فيها حدوث واقعة معينة.
كما يعرفها البورت Allport بوستمان Postman أنالإشاعة ليست سوى افتراض يرتبط بالأحداث القائمة يراد أن يصبح قابلا للتصديق بين الناس ومن دون وجود معايير مؤكدة لتصديقها.
من خلال ما سبق، ومقارنة مع سرد شائعة حرب العوالم، نلاحظ أن انتشار هذه القصّة -على الرغم من التنبيه بكونها مسرحية ليس إلّا- تم من دون التحقق فيها وصدّقها الناس وتوهّم البعض بتنشّق الغاز السام وكان تأثير الإعلام كبير في نشر الاكاذيب حول الخوف المنتشر بين الناس.
عليكم، قرّائي الأعزاء التحقق من المعلومات التي تسمعونها، تقرأونها أو تتناقلونها، لأن الجهات المتخصصة بنشر المعلومات المغلوطة والشائعات تعمل عليها بشكل متواصل، ذلك وأنها تعتمد على العواطف والأحاسيس فإن أي خبر أو معلومة تحرّك لديكم أحاسيس غريبة ومفاجىء تأكدوا منها، لإحتمالية كونها خبرا شائعا.